لبنان ملتزم تنفيذ الإصلاحات المطلوبة كشرط مُسبَق من المجتمع الدولي لتنفيذ قرارات «سيدر»
الحكومة أمام تحدّي إقرار الموازنة الإصلاحية أو التراجع تحت ضغط المعترضين
الحكومة خصوصاً والدولة عموماً مطالبتان بالإستمرار قُدُماً في التدابير والإجراءات المتخذة لإقرار موازنة تقشفية إصلاحية
منذ أن بدأت الحكومة استعداداتها لوضع موازنة تقشفية تتضمن سلسلة من الإصلاحات وإجراءات لتقليص موازنات ومصاريف مؤسسات الدولة واداراتها ووقف مسارب الهدر أو الحد منها قدر المستطاع، تفادياً لأي أزمة أو انهيار مالي محتمل في ضوء الخلل الحاصل بين مداخيل الدولة ومصاريفها قياساً على ما كان يحصل خلال السنوات الماضية، حتى تحرّكت بعض هذه الإدارات بالتنسيق غير المعلن فيما بينها، للاحتجاج والاعتراض على هذه السياسة المالية التي تتضمن الموازنة ووصولاً إلى الرفض القاطع لها من إدارات عامة أخرى وذهاباً إلى حدّ القيام باضرابات والتوقف عن القيام بالمهمات والخدمات المنوطة بها، حتى قبل قيام الحكومة بإقرار وتنفيذ بنود هذه الموازنة، في محاولات مكشوفة لارغامها، على التراجع عن إقرار هذه الموازنة التقشفية تحت حجج وذرائع مختلفة.
وقد أظهرت وقائع هذه التحركات الاحتجاجية الرافضة للاجراءات التقشفية مؤشراً مقلقاً وكأن هذه الإدارات والمؤسسات المعترضة هي كيانات مستقلة بنفسها وتعمل بشكل منفصل عن الدولة وسلطتها وبالتالي فهي ترفض وتتمرد مسبقاً على أي اجراء أو تدبير يقلص موازناتها ومصاريفها، وترغب ضمناً بالاستمرار في أساليب الصرف التي كانت قائمة في السنوات الماضية، بالرغم من كل التحذيرات من مخاطر وتداعيات السياسات المالية المعتمدة وتأثيرها السلبي على مالية الدولة العامة وعلى مستقبل الأوضاع الاقتصادية عموماً وعلى معيشة ومداخيل اللبنانيين في المرحلة المقبلة.
والمؤشر الثاني المقلق هو تراخي الدولة في مواجهة كل هذه التحركات الاحتجاجية وبدا لوهلة ما بأن الدولة متراخية وغير قادرة على مواجهة هذه الاحتجاجات وغير قادرة على وقف الاضرابات وإغلاق أبواب بعض المؤسسات عمداً والامتناع عن تقديم الخدمات للمواطنين، بالرغم من ان القوانين المعمول بها تحظر على الموظفين القيام بمثل هذه التحركات الاحتجاجية تحت أي ذريعة مكانت وتفرض اتخاذ تدابير عقابية حاسمة ضد كل موظف رسمي يخالف القوانين هذه ويلجأ إلى الإضراب ويمتنع عن القيام بواجباته الوظيفية ويعطل عمل إدارات الدولة ومؤسساتها قسراً.
إزاء هذا الواقع المقلق، فإن الحكومة خصوصاً والدولة عموماً مطالبتان بالإستمرار قدماً في التدابير والإجراءات المتخذة لإقرار موازنة تقشفية إصلاحية، بالتزامن مع مواجهة كل إدارة ومؤسسة عامة تسعى للرفض المسبق لمفاعيل ونتائج السياسات المالية الجديدة المتبعة، أولاً، لأنها ملزمة بتصحيح الخلل الحاصل في الميزانية العامة وملتزمة بإقرار سلّة من الإصلاحات الضرورية من خلال خفض عجز الموازنة إلى نسبة معقولة ومقبولة وزيادة الواردات والقيام باتخاذ سلسلة إجراءات تحفيزية لتنشيط الدورة الاقتصادية باعتبار انه لا يُمكن المضي قدماً في النهج السائد سابقاً، لأن ذلك سيؤدي حتماً إلى الولوج في أزمة مالية أو انهيار مالي يُلحق الضرر باللبنانيين عموماً وينعكس سلباً على الوضع الاقتصادي في البلاد كما حصل في بلدان أخرى.
والأهم من كل ذلك فإن الحكومة ملتزمة القيام بالاصلاحات المطلوبة وإقرار موازنة تقشفية، لارتباط هذه التدابير بشكل مباشر بتنفيذ قرارات مؤتمر «سيدر»، ومن دون القيام بذلك، فمن المتعذر أو قد يكون من المستحيل تنفيذ هذه القرارات التي تتضمن قروضاً ميسَّرة بمعظمها لمساعدة لبنان في تنفيذ رزمة من المشاريع الحيوية والضرورية في مختلف المناطق اللبنانية، ستعطي دفعاً ايجابياً لإعادة تحريك وتنشيط الدورة الاقتصادية في المرحلة المقبلة، في حين ان تخلف لبنان عن تنفيذ التزاماته تجاه المجتمع الدولي، سينعكس مزيداً من انعدام الثقة بين الشعب وسائر المسؤولين ويعطي صورة سلبية غير مشجعة للخارج.
ولذلك، فإن الحكومة والسلطة على حدٍ سواء، مطالبتان بالسير قدماً في إقرار موازنة تقشفية واصلاحية في آن معاً تأخذ بعين الاعتبار مصلحة جميع اللبنانيين على حدٍ سواء، بالرغم من كل المظاهر الاحتجاجية والرافضة لهذه الخطوات، لإعطاء انطباع إيجابي واضح عن الجدّية في السير بهذه الإجراءات حتى النهاية، مع الأخذ بعين الاعتبار المطالب المحقة والممكن تنفيذها لسائر فئات الموظفين والعاملين في الدولة ضمن الإمكانات المالية المتوفرة وبالتزامن مع إظهار الجدّية والامساك بزمام الأمور ومواجهة كل محاولات الإضراب أو تعطيل مؤسسات الدولة تحت أي ذريعة كانت.
فالدولة كلها وليست الحكومة لوحدها أمام إختبار صعب في الأسابيع المقبلة للسير قدماً في إقرار الموازنة المرتقبة بالتزامن مع مواجهة المظاهر الاحتجاجية والرافضين للتنازل عن الامتيازات في العديد من المؤسسات والإدارات المعنية، فإما ان تنجح بالاستمرار بالخطة الموضوعة لذلك وتنقذ الوضع المالي والاقتصادي وإما ان تتراجع تحت ضغوط واعتراض المحتجين والرافضين الامتثال لسياسة التقشف وعصر النفقات.