على قاعدة «ربط النزاعات» يعيش البلد من أزمته الرئاسية المطبعة مع الفراغ، مرورا بانفجار العلاقات اللبنانية – السعودية ومن خلفها الخليجية، وصولا الى ملف النفايات، حيث تعود المواطن على المنظر والرائحة اللتين تحولتا الى صورة يومية. فبعد أكثر من ثمانية أشهر على تراكم النفايات بشكل معيب في الشوارع، بات واضحا أن تداعيات تلك الأزمة تخطت الحدود الصحية والبيئية ليبلغ حدا سياسيا خطيرا بعدما بات مصير حكومة المصلحة الوطنية معلقا على حبال هذه الكارثة، فيما يبدو المعنيون في سباق مع الوقت لايجاد حلول حيث يراهن كثيرون مرة جديدة على صبر الرئيس تمام سلام الذي يبدو أنه نفد فعلا، تاركا المجال واسعا أمام مخاوف على الحكومة والبلد في ظل الفراغ الرئاسي المستمر.
تبعاً لهذه الصورة السوداوية لم يكن غريباً ان تتسارع محاولات التوصل الى استكمال اللمسات الجارية على الحل الموقت للنفايات في الوقت الفاصل حتى منتصف الاسبوع على أبعد تقدير حيث تتكثف الاتصالات بين القوى السياسية لتأمين الغطاء الذي ستحتاجه القرارات التي ستصدر عن اللجنة الوزارية المكلفة متابعة الموضوع، سيما لناحية مواقع المطامر، لتنفَّذ سلميا وبعيدا من الاعتراضات الشعبية، بعدما رفضت قيادة الجيش مواكبة شاحنات النفايات. حيث تؤكد مصادر وزارية ان الخيارات وقعت على سبعة مواقع وليس أربعة، يجري التحفظ عن ثلاث منها، خوفاً من إحراقها مثلما حصل مع موقعي كجك والكوستا برافا، علماً أن ما من شيء نهائي بانتظار الاتصالات التي تجري مع القوى السياسية المعنية، وأشارت المصادر الوزارية الى ان العمل جدي في اللجنة وان الحل سيكون توافقيا متوازنا ومتكاملا، بعيدا من الطائفية والمذهبية والمصالح، والا لن يكون، لافتة الى أن العراقيل التي ترمى على طريق المعالجات المطروحة خلفياتها سياسية، حذّرت من أن المضي في التعطيل ستكون عواقبه وخيمة فعلا هذه المرة،خاصة ان اكثر من وزير يتجه الى تعليق مشاركته في جلسات مجلس الوزراء.
وفيما لم تسجل اي تطورات جديدة فان خيارات اللجنة الوزارية «المكشوفة»، والتي لم يتحدد بعد موعد جديد لاجتماعها، تنحصر في التوافق على إقامة أربعة مطامر صحية بحسب المصادر الوزارية:
-الناعمة في الشوف، يعاد فتحه لمدة وجيزة من أجل نقل النفايات المتراكمة في بيروت، ولا سيما في منطقة المرفأ، ومن ثمّ يعاد إقفاله نهائياً، وهذا الخيار وافق عليه النائب وليد جنبلاط.
-الكوستا برافا، بعد تليين النائب طلال أرسلان موقفه وعدم معارضة الثنائي الشيعي.
-برج حمود، حيث يضع حزب الطاشناق شروطاً محددة، قابلة للتفاوض.
-كسارة كجك في الإقليم، التي تواجه معارضة من الأهالي، وتردد على هذا الصعيد أن جهاد العرب كان قد اشترط، للموافقة على تحويل أرض الكسارة في الجية إلى مطمر، أن يتولى مشاريع النظافة في بيروت وجبل لبنان، وهو ما رُبط مع مسألة ادعاء النيابة العامة المالية على «سوكلين»، تمهيداً لإزاحتها عن مستقبل القطاع بهدوء، خاصة أنه تبين أن الدعوى لا تدخل في لب المشكلة المتعلقة بالعقود وتنفيذها ودور المشرف (مجلس الإنماء والإعمار)، بل تكتفي بالاعتراض على طريقة الوزن.الامر الذي جعل بيك المختارة ينقل المعركة الى الواجهة البحرية فاتحا ملف القاعدة البحرية مصيبا بحجره عصفوري وزير الدفاع والنفايات.
في خضم عملية خلط الأوراق الداخلية تلك والجارية على قدم وساق،في ظل تموضعات الاطراف السياسية وفقا للقضايا المطروحة، تحدثت مصادر السراي عن «تهديد الرئيس الجدي» ازاء تلكؤ ومماطلة ومماحكة وقلة مسؤولية من بيدهم الحل والربط عن القيام بواجباتهم،رغم الضغوط التي يتعرض لها سلام،حيث الحل بسيط باخضاع الموضوع للمعايير الفنية، لا لرغبات أفراد أو مجموعات، غامزة من قناة الاعلام الذي ساهم في «تلويث» العقول، معتبرة أن الدولة وكيانها وأركانها يتعرضون للابتزاز، مشيرة الى ان حل الملف يكون بسلة متكاملة، تقضي بالاتفاق على المكبات دفعةً واحدة، مضيفة «الكل بانتظار رد الرئيس الحريري على مكب الطائفة السنية لنبني على الشيء مقتضاه».
تماما كما كانت أزمة النفايات بوابة عودة الحكومة إلى العمل، يبدو أن الملف الشائك نفسه سيكون بوابة دخولها دائرة تصريف الأعمال.ففي كل جلسة فضيحة كما قبل كل واحدة وبعدها،جديدها انعاش خيار المحارق، الذي انضم الى خيار الترحيل الذي انتهى الى تعاقد مع شركة وهمية، ليسقط وتبقى النفايات .محارق نفض الغبار عنها يحتاج حتى العام 2020 اي بعد 4 اعوام،حتى يصبح ناجزا. فماذا سيكون عليه الوضع حتى ذلك الحين؟