سلكت سلسلة الرتب والرواتب طريقها إلى التنفيذ، موظفو القطاع العام من إدارات وعسكريين ومؤسسات عامة وأساتذة تعليم خاص ورسمي سيقبضونها، والنهاية السعيدة بالنسبة إليهم وُضعت خواتيمها في جلسة رابعة لمجلس الوزراء انعقدت في السراي الحكومي، برئاسة الرئيس سعد الحريري الذي كان عرَّاب التوافق، وظهر أنَّ التوافق الرئاسي هو الذي سهَّل تفكيك الألغام من أمام التسوية من خلال الترتيب التالي:
وصلت أجواء من قصر بعبدا إلى عين التينة، مفادها أنَّ الرئاسة الأولى لا تستهدف الرئاسة الثانية وأنَّ ما صدر عن المجلس الدستوري لا علاقة لقصر بعبدا به، لا من قريب ولا من بعيد.
تلقف الرئيس بري الأجواء الإيجابية فردّ على التحية بتحية، من خلال إتصال أجراه بالرئيس عون قبل الجلسة الثالثة لمجلس الوزراء، وفحوى المكالمة أنَّ الرئيس بري نوَّه بكلمة رئيس الجمهورية في فرنسا، كان هذا الإتصال كافياً لسحب كل صواعق التفجير من الجلسة، فنُزِعت منها كل مواد النقاش التي يمكن أن تنسفها:
من ملاحظات وزير الداخلية نهاد المشنوق على لقاء الوزير جبران باسيل بنظيره السوري وليد المعلم. عندها تأكد الجميع أنَّ هناك مسار تسوية يقوم على النقاط التالية:
إعداد مشروع قانون وإحالته إلى المجلس النيابي بصيغة جديدة تأخذ بالتعديلات التي رأى المجلس الدستوري أن تكون موجودة في قانون الضرائب.
معضلة قطع الحساب ستكون من خلال صيغة يقدمها رئيس الجمهورية ميشال عون، بشكل لا يؤدي إلى الإستغناء عن قطع الحساب، على أن يتم هذا الأمر لاحقاً من ضمن عمل تعكف عليه وزارة المال وتنجزه ضمن مهلة محددة. لأنَّ المصادقة على الموازنة من دون قطع الحساب للموازنة السابقة، فيها مخالفة دستورية.
***
ما الذي حتَّم تدوير الزوايا للتوصل إلى هذه التسوية؟
جملة من القضايا جعلت الحكومة ملزمة بالخروج من حفرة السلسلة، أبرزها:
الضغط النقابي، بمعنى أنَّ الحركة النقابية نجحت في تعليق فتح المدارس ما لم تقرر الحكومة دفع السلسلة، وهذا الضغط كان من شأنه أن يستمر ليشكِّل تهديداً للعام الدراسي.
قناعة نقابية بأنَّ الحكومة قادرة على تأمين إيرادات السلسلة، فيما لو أقفلت مزاريب الهدر.
قناعة لدى الشعب اللبناني قاطبة بأنَّ نسبة كبيرة من الموظفين تستحق السلسلة، لكن نسبة لا بأس بها من الموظفين لا تستحق أن تكون في الوظيفة، لأنها توظفت تنفيعة إنتخابية من دون جدارة، ونسبة أخرى توظفت لكنها لا تداوم.
هذه النِسَب تشكل أثقالاً على الإدارة العامة وعلى خزينة الدولة، ومن الصعب أن تنجح الإدارة من دون عملية تطهير، خصوصاً أنَّ كلفة الرواتب صارت مرتفعة جداً بعد الزيادات.
***
لهذه الأسباب مجتمعةً يمكن القول إنَّ مرحلة جديدة بدأت:
نجحت الحكومة في السلسلة وفي توفير الإيرادات لها، ويبقى تحدي تطهير الإدارة.