ما بعد استقالة حكومة الرئيس حسان دياب، الى حين تأليف حكومة جديدة، قد يكون اسوأ مما قيل في الحكومة المستقيلة او ما سيقال. من غير المؤكد بعد المسار الذي يمكن ان يسلكه التكليف والتأليف، خصوصاً أن ثمة شريكاً فعلياً للكتل الرئيسية المعنية بالتكليف والتأليف، هو الشارع الغاضب الذي أضحى في صلب معادلة الاستقرار والفوضى في آن، كما بات بدوره ناخباً مهماً وإن لا يملك حق الاقتراع.
مع ان المعارضة المتمثلة في كتل الرئيس سعد الحريري ووليد جنبلاط وسمير جعجع وسامي الجميل، تمكنت من التخلص من حكومة دياب، بيد ان ما ينتظرها قد يكون – الى حد – اصعب وطأة من الاشهر الستة المنصرمة في عمر الحكومة المستقيلة. تكمن مشكلات ما بعد اطاحتها في الجهود والاتصالات التي سيستغرقها تأليف حكومة تخلفها رئيساً واعضاء. اضف المدة التي سيتطلبها تصريف الاعمال الذي سيكون هذه المرة على صورة شغور حقيقي يجرف في طريقه الكثير المعوّل عليه، كالتحقيق ومآله في الانفجار الهائل في المرفأ، والتحقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان، والرقاد الطويل للمفاوضات مع صندوق النقد الدولي في غياب وزير جديد للمال وانسحاب المستشارين المفاوضين باسم رئيسي الجمهورية والحكومة.
اما ما سيلي استقالة الحكومة، فيكمن بعضه في الآتي:
1 – احتاج تكليف دياب الى 50 يوماً كي يجري رئيس الجمهورية ميشال عون استشارات نيابية ملزمة، بعدما عبر اكثر من اسم مرشح منذ عزف الحريري. لأنها المرة الاولى تتأخر الاستشارات النيابية الملزمة هذه المدة، لم تمسِ سابقة صالحة للتكرار فحسب، بل سلاحاً في يد الرئيس. بعدما فُرضت عليه استقالة حكومة دياب، لن يتردد في استخدام السلاح نفسه مجدداً فيرضى بتحديد موعد للاستشارات ما ان يوافق على هوية الرئيس المكلف، المصوَّت على تسميته في مجلس النواب صورياً. تقيم قوة عون في سلاحين بين يديه: الصلاحيات الدستورية المفوضة اليه في التكليف والتأليف، والكتلة النيابية الكبيرة لحزبه. اضف تحالفه مع حزب الله.
2 – تستقيل حكومة دياب قبل الاتفاق على تلك التي ستخلفها، ما يجعل البلاد على ابواب شغور طويل، مع ان تأليفها – خلافاً لسابقاتها – لم يحتج الى اكثر من 33 يوماً. من دوافع عدم عودة الحريري الى السرايا عام 2019، اشتراط عون عليه الاتفاق على التأليف قبل التكليف. وهذه ليست سابقة لعون بعدما جرّبها الرئيس اميل لحود مع الرئيس رفيق الحريري عام 2004، وانتهت الى خروج الحريري الاب من السرايا عامذاك، مثلما افضت في ما بعد الى خروج الحريري الابن منها عام 2019. ناهيك بأن لرئيس الجمهورية ما اعتاد اسلافه منذ اتفاق الطائف استخدامه، هو عدم توقيع مراسيم حكومة جديدة لم ترضه تشكيلتها.
3 – من باب لزوم ما لا يلزم القول ان عودة الجزء يحتم عودة الكل. المقصود بذلك ان عودة محتملة للحريري الى رئاسة الحكومة كما يشاع، تلازمها عودة حتمية للنائب جبران باسيل بصفته رئيس الكتلة النيابية الكبرى في البرلمان، وهي كتلة رئيس الجمهورية اولاً واخيراً. كلاهما يؤول الى عودة التركيبة نفسها التي رافقت الحكومات السابقة، المسماة منذ اتفاق الدوحة عام 2008 حكومة الوحدة الوطنية. لا عودة لجزء كأنه صورة مختلفة، نزيهاً مستقيماً عن كلٍّ مشهود له بالتلوث والفساد واهدار المال العام وتقويض الاقتصاد والعملة الوطنية، او لا يشبهه، او ليس في صلب الانهيار الذي قاد البلاد الى ما اضحت عليه، او اخيراً ليس من الذين ينادي الشارع باسقاطهم. لم يعد كافياً انبثاق التكليف من مجلس النواب في وقت لم يخرج الاحتجاج من الشارع.
4 – الانطباع الخاطئ المستخلص مما قاله الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون عندما زار بيروت في 6 آب، والتقى المسؤولين الكبار، ان دعوته الى حكومة وحدة وطنية تعني العودة بكل اولئك الذين اتهمهم بتدمير اقتصاد البلاد ونهبه والايغال في الفساد. عندما تحدث عن حكومة وحدة وطنية، اقرنها بالاصغاء الى صوت الشارع، كما بضرورة إحداث «تغيير عميق» – كما قال – في قيادة البلاد. وهو مغزى الوصول الى حكومة تحظى بدعم القوى السياسية من غير ان تستثني اي منها نفسها، لكن ايضاً باستجابة مطالب الشارع. عندما جمع هذه القوى جنباً الى جنب في ظاهرة غير مسبوقة ان يجلس بعضهم قبالة الآخر، حدّثهم عن فقدان ثقة شعبهم بهم. قبل ذلك قال للناس المنكوبين في الشارع ان لا مساعدات اليهم تصل من طريق سلطات فقدت ثقة شعبها بها. العبارة نفسها قالها للطرفين، ولم تعنِ اذذاك صورة حكومة وحدة وطنية على النحو الذي درج ما بين عامي 2008 و2018.
5 – اختار دياب شراً بين ثلاثة شرور كانت ستقوده في كل حال الى الخروج من السرايا. لذا فضّل بنفسه هذا الخروج بنبرة عالية، لم يسبق لأي مسؤول ان خاطب بها القوى السياسية التي اوصلته الى رئاسة الحكومة، ثم تركته يغرق بمركبه لوحده: بين ان يستعيد تجربة حكومة الرئيس عمر كرامي عام 2004 عندما أُسقِطت في مجلس النواب بعد تحميلها مسؤولية اغتيال الحريري الاب وتركها الحكم وهي تتنكب المسؤولية كلها، وهو ما كان ينتظر دياب في جلسة البرلمان الخميس المقبل بتحميل حكومته مسؤولية انفجار المرفأ، وبين ان يستعيد تجربة حكومة الحريري الابن عام 2011 عندما اطاحتها استقالة ثلث اعضائها فأُخرج رئيسها من الحكم بالقوة، وهو ما كان يتحضّر له وزراء الحكومة المستقيلة.
بالتأكيد يتحمّل دياب جزءاً من مسؤولية انفجار المرفأ. لكن مَن في اي حكومة وحدة وطنية لم يكن عالماً او شريكاً او ضالعاً او متجاهلاً اخفاء الحمولة الهائلة من نيترات الامونيوم في المرفأ منذ عام 2013، او لم يكن في الحكم مذذاك الى الامس القريب، كي يعود الى الحكم؟