تقليص مصاريف وتقديمات موظفي القطاع العام بمجمله أو فرض رسوم وضرائب إضافية على كل الشعب اللبناني
«النقاشات المتواصلة بين مكونات الحكومة تدرس بدقة وتمحيص مدى كلفة وتأثير أي خيار يتوافق عليه على مجمل الشعب اللبناني وليس على فئة محددة بذاتها، مع التركيز على تجنيب الطبقات المحدودة الدخل والفقيرة أي تداعيات أو أعباء اضافية»
يرى خبير مالي بارز ان توجه الحكومة لوضع موازنة تقشفية تتضمن سلّة من الإصلاحات، يوجب عليها اعتماد أحد خيارين، الأوّل يقضي بإعادة النظر في تكلفة اجور ومرتبات القطاع العام بمجمله، بما في ذلك الاضافات والمهمات والمنح المدرسية ومصاريف السفر والرواتب العالية السقوف أو المزدوجة التي يتقاضاها البعض من مدنيين وعسكريين، فضلاً عن التخفيضات على الأموال التي تصرف على الجمعيات والهيئات غير المفيدة والفاعلة في تقديم الخدمات للمجتمع ووضع آلية متشددة للحد من التهرب الضريبي ومكافحة التهريب على انواعه، والخيار الثاني، اللجوء إلى فرض مزيد من الضرائب والرسوم على لائحة من السلع والمتطلبات المعيشية للمواطنين وذلك من خلال رفع ضريبة القيمة المضافة المعتمدة حالياً بنقطة أو نقطتين لتحصيل المبالغ المالية المطلوبة.
ويضيف انه في حال اعتمدت الحكومة الخيار الأوّل وهو الأنسب، لأنه سيطال قسماً من اللبنانيين ويتركز على المحافظة على أساس الرواتب والأجور بشكل عام، مع التشدّد في وقف صرف أي مكافآت أو اضافات أو ملحقات تحت أي عناوين أو مبررات كانت، وبذلك ينحصر مفعول هذا الاقتطاع بهذه الشريحة في الوقت الحاضر، في حين ان اعتماد الخيار الثاني ستكون تأثيراته السلبية أوسع بكثير وتطال مجموع الشعب اللبناني كلّه، بمن فيهم محدودي الدخل، وهذا سيتسبب بتداعيات على الوضع المعيشي لهؤلاء، في حين لن يكون مؤثراً على مرتفعي الدخل والاغنياء على حدٍ سواء، ولذلك لن يكون اللجوء إلى هذا الخيار مستحسناً أو مقبولاً في أسوأ الحالات لأنه أسوأ من الخيار الأوّل، بالرغم من الاقتطاعات التي ستطال الموظفين ذوي الرواتب المتوسطة والصغيرة نسبياً.
وفي اعتقاد الخبير المالي البارز، انه لا يمكن للدولة ان تستمر على هذا المنوال في الصرف على القطاع العام وبهذه الكلفة الباهظة قياساً على الوضع المالي الحالي والمقبل، لأنه سيستنزف مالية الدولة العامة لا سيما بعد إقرار سلسلة الرتب والرواتب الأخيرة والتي رتبت تكلفتها على الخزينة العامة مبالغ فاقت كثيراً وبقرابة ألف مليار ليرة ما كان مقدراً، وهي كلفة أدّت إلى زيادة العجز الحاصل، في حين لم تحصّل الواردات المقدرة كما كان متوقعاً مما زاد الضغوط على الوضع المالي العام.
اما ما يُحكى عن خيارات أخرى أو بديلة للخيارين المذكورين، فلا يمكن لأي منها تحصيل المبالغ المالية المطلوبة لتخفيض عجز الخزينة ومعالجة الوضع المالي العام في الوقت الحاضر، بالرغم من محاولات البعض الايحاء امام الرأي العام انه بالإمكان تفادي اللجوء إلى أحد الخيارين الأساسيين المطروحين والاستعاضة عنهما بسلسلة من الإجراءات والتدابير لتحصيل الأموال من خلال وقف التهريب على انواعه مثلاً والمبالغة في تصوير حجم الأموال الممكن تحصيلها في حال التشدّد بمنع التهريب وما إلى هنالك من تفعيل حركة تحصيل الرسوم المفروضة على الأملاك البحرية والنهرية أو زيادة الرسوم على الفوائد وغيرها، باعتبار ان التركيز على مثل هذا الخيار البديل للخيارين الأوّلين، يقلص الانتقادات والنقمة على بعض السياسيين ويعفيهم من المساءلة امام مؤيديهم، في حين ان واقع الحال مغاير كلياً لكل الادعاءات والمواقف الشعبوية التي تتردد امام وسائل الإعلام لتبييض صفحة من يتبناها من السياسيين امام جمهوره، والتهرب من مفاعيل ما يحصل مستقبلاً.
ويشير الخبير البارز إلى ان «النقاشات المتواصلة بين مكونات الحكومة تدرس بدقة وتمحيص مدى كلفة وتأثير أي خيار يتوافق عليه على مجمل الشعب اللبناني وليس على فئة محددة بذاتها، مع التركيز من قبل الجميع على تجنيب الطبقات المحدودة الدخل والفقيرة أي تداعيات أو أعباء اضافية على كلفة المعيشة المثقلة حالياً بمتطلبات الحياة اليومية المتزايدة وبالتزامن مع تباطؤ الدورة الاقتصادية عموماً في البلد، مع وجود مؤشرات لاعتماد الخيار الأوّل الأقل كلفة عن الخيار الثاني من معظم الأطراف السياسيين، بالرغم من بعض الملاحظات وطلب التريث من قبل البعض افساحاً في المجال امام مزيد من الدرس والنقاش لإعطاء الأجوبة النهائية بخصوص ما يطرح.
ومن وجهة نظر الخبير المذكور، فإن الوقت يمضي بسرعة وبات مطلوباً من كل الأطراف دون استثناء التفاهم والتوافق على الخيار المعتمد لادراجه بصيغة الموازنة المقترحة في أسرع وقت ممكن، لأنه لا يمكن للحكومة اعتماد أي خيار كان الا إذا كان هناك توافق كامل من كل الأطراف المشاركين في الحكومة لدعمه وتسويقه والدفاع عنه امام أي محاولة لتعطيله في الشارع أو غيره، في حين يبدو ان تبني أي خيار آخر أو تعطيل اعتماد الخيارين معاً ستكون نتائجه وتداعياته كارثية على الوضعين المالي والاقتصادي معاً، وهذا ما يسعى الجميع لتجنب الوقوع فيه بالرغم من المؤثرات الجانبية للخيار الأوّل الذي يتقدّم على الخيار الثاني لاعتماده في مشروع الموازنة.
معروف الداعوق