Site icon IMLebanon

الحكومة وعيد الاستقلال

اذا صفت النيّات وصدقت التوقعات، فقد تكون للبنانيين حكومة، تحتفل مع رئيس الجمهورية الجديد، ومعهم، بعيد الاستقلال المغيّب منذ بضع سنوات.

الظروف الداخلية ملائمة، والاقليمية مناسبة، وكما اجتازت سفينة الرئاسة بحر الفراغ، بأمواجه المحلية المتنافسة والاقليمية المتلاطمة أمكن للحكومة عبور مضيق الاستشارات النيابية، بسلاسة وسلام. وكما فاز الرئيس ميشال عون بأكثرية نيابية مريحة، حقق الرئيس سعد الحريري الفوز بتسمية النواب له بارتياح.

والعين الآن على استشارات تشكيل الحكومة التي سيجريها الرئيس المكلف اليوم وغدا، وعلى بازار الأسماء والحقائب الذي سيلي الاستشارات. ويبدو ان لعبة شدّ الحبال بدأت من طرفي شعار الحكومة وحجمها: القوات اللبنانية لا تريد حكومة وحدة وطنية، افساحا في المجال لتكريس وجود معارضة. بينما حزب الله يريد مثل هذه الحكومة، وقد تنبّه الرئيس المكلف الى هذا التعارض فوصف الحكومة في بيان قبول التكليف بحكومة الوفاق الوطني.

وهناك من يرى انه لاستكمال مقومات نجاح حكومة الوفاق الوطني، لا بد من توسيع حكومة الأربعة وعشرين الى ثلاثين وزيرا، وغاية أرباب ٨ آذار من هذا، توسعة المكان للحلفاء من الكتل الحزبية، التي لا تريد ان تخرج من مولد العهد الجديد بلا حمّص، خصوصا وانها لحّقت حالها بتسمية الرئيس المكلف.

لكن هذا الطرح ووجه بتحفظات المستقبل والتقدمي الاشتراكي والقوات اعتبارا منهم، بأن البعثي والقومي والنائب طلال ارسلان، ممثلون في حكومة تمام سلام، بتكتل التغيير والاصلاح وأمل وحزب الله، وبالتالي يمكن اعتبارهم ممثلين بنفس الحلفاء في حكومة من نفس حجم الحكومة السلامية، خصوصا وان زعيم التكتل الرئيس عون، بات هو نفسه رئيس الدولة، والممثل الدستوري لجميع اللبنانيين…

المصادر المتابعة لاحظت اصرارا من أكثر من جهة على أن يحتفظ المردة بمقعدهم في الحكومة العتيدة، ويدعم هذا التوجه طرفان أساسيان، رئيس الحكومة المكلف ورئيس مجلس النواب المسمّي له. والمطلوب أيضا تأمين مقعد وزاري واحد لكتلة الكتائب على أن يذهب المقعد الآخر الذي كان يشغله الوزير سجعان قزي، الى وزير من القوات.

الحقائب الوزارية، وخصوصا السيادي منها، بدأت تضغط على أعصاب الأطراف، ولا سيما على العلاقة الهامدة بين القوات اللبنانية، وحركة أمل، فالدكتور جعجع يريد وزارة المال تعويضا عن مرحلة الحرمان من السلطة، كمدخل إلزامي لمكافحة الفساد المعشش حيثما كان في باقي الوزارات… والرئيس بري يريد الاحتفاظ بالمالية، وفوقها وزارة النفط، لأسباب سيادية بالنسبة الى الأولى، حيث ان وزيرها يملك التوقيع الرابع في هرمية السلطة، أما الثانية فانها جزء من شعار كتلة أمل النيابية كتلة التنمية والتحرير.

التقدير أن من اجتاز النهر لن يغرق في الساقية، وان التفاهمات التي صنعت رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة، وأطلقت قطار السلطة اللبنانية على سكة الاستقرار، قادرة على صنع حكومة متجانسة بالحدّ الأدنى، خصوصا، انها ستكون حكومة انتقالية، بل هي انتقالية بالفعل، والدليل عمرها الذي لن يتجاوز الستة أشهر، وهو عمر الفاصل الزمني بين تأليفها اليوم، واعتبارها مستقيلة في أيار أو حزيران المقبلين، بعد اجراء الانتخابات النيابية المفترضة، في ذلك الحين.

فبعد الانتخابات النيابية، كما بعد الانتخابات الرئاسية تصبح الحكومة القائمة مستقيلة، وبالتالي فمثل هذا العمر القصير لا يستحق كل هذه التجاذبات…

حالة استثنائية واحدة يمكن ان تطيل عمرها، ألا وهي حالة العجز عن استحداث قانون جديد للانتخابات، مع تعذر الاتفاق على اجراء الانتخابات على أساس قانون الستين الساري المفعول، ما يطرح مجددا امكانية التمديد للمجلس الحالي، تحت عنوان الضرورة، أو القوة القاهرة وهذا في الواقع أبغض الحلال عند الدستوريين، وأيسره عند السياسيين…

لبّ المشكلة النيابية في لبنان، ان جميع الأطراف يطالبون باجراء الانتخابات النيابية، والجميع يتهرّبون من صياغة قانون انتخابات جديد، والجميع أيضا يتباهون برفض قانون الستين من دون أن يقدموا البديل!!