IMLebanon

الحكومة في معراب: كــيف سيعاملها جعجع؟

 

تحضر الحكومة الجديدة على طاولة تكتل «الجمهورية القوية» الذي سيناقش الموقف منها خلال اجتماعه اليوم برئاسة سمير جعجع، وبالتالي سيحدّد ما اذا كان سيمنحها الثقة أم سيحجبها عنها. فما هي الاحتمالات المطروحة، وكيف ستتصرّف «القوات اللبنانية» في جلسة الثقة التي ستُعقد بعد إنجاز البيان الوزاري؟

منذ البداية، نأت «القوات» بنفسها كلياً عن «طبخة» الحكومة، فلم تسمِّ الدكتور حسان دياب لرئاستها ولم تقبل المشاركة فيها، ولو عبر وزراء تكنوقراط.

 

توحي «القوات»، أنّ «أبوة» فكرة حكومة الاختصاصيين المستقلين تعود اليها اصلاً، وانّ فحوص الـ «دي إن إيه» السياسي تثبت انّ جعجع كان من السبّاقين الى طرحها، خلال الاجتماع الاقتصادي الشهير الذي إنعقد في القصر الجمهوري قبل انطلاق انتفاضة 17 تشرين الأول وقبل ان ينادي الحراك وغيره بهذا المطلب.

 

وعلى هذا الاساس، تعتبر «القوات» انّها منسجمة مع إقتناعها ونفسها في مقاربتها الشأن الحكومي، استناداً الى قاعدة فحواها، أنّه ليس منطقياً لمن كان مبادراً الى حمل لواء «الاختصاصيين المستقلّين» ان يؤيّد تسمية رئيس حكومة إختاره تحالف 8 آذار و«التيار الوطني الحر»، أو أن يدعم تركيبة وزارية تختزن في بنيتها التحتية بصمات القوى السياسية، ولو أنّ «الكريما» التي تزين سطح هذه التركيبة تحمل طعم التكنوقراط.

 

تبدو «القوات» واثقة في انّ الجهات السياسية التي اختارت الوزراء الاختصاصيين إنما ستتحكّم في نهاية المطاف بقراراتهم وستشكّل مرجعيتهم المعلنة أو المضمرة، مهما حاولوا أن يتظاهروا بأنّهم على مسافة منها، «ما يعني استمرار الدوران في الحلقة المفرغة وإعادة انتاج التجارب السابقة مع تعديلات شكلية لا تحاكي الجوهر»، وفق رأي معراب.

 

وانطلاقاً من هذه الفرضية، وصلت «القوات» الى إستنتاج مفاده أنّ الادارة السياسية التي أوصلت لبنان الى الكارثة الاقتصادية – المالية الحالية بفعل النهج الذي اعتمدته عبر عقود، لا تملك بطبيعتها الفطرية وبسيرتها الذاتية قدرة حقيقية على اجتراح الحلول لأزمة تتطلب معالجة استثنائية، «بل هي ستتولّى غالباً اجترار المأزق، لأنّ من كان سبب الداء وأصل البلاء لا يمكنه ان يصبح مصدر الدواء وصانع الشفاء»، بحسب فهم معراب للواقع المقفل والخيارات الممكنة للخروج منه.

 

وقد اتت طريقة تعامل دياب وحكومته مع الاختبار العملي الاول المتمثل في موازنة 2020 التي اقرّها مجلس النواب اخيراً، ليعزز هواجس معراب وليؤكّد – في رأيها- صحة انطباعها بأنّ الخلطة الحكومية الجديدة لا تزال تخضع كما سابقاتها لمنطق التسويات المعلبة، في حين كان المطلوب، من وجهة نظرها، ان تسبق جلسة الثقة أي أمر آخر، اضافة الى وجوب استرداد الموازنة وإعادة تكييفها مع الوقائع المالية والاقتصادية المستجدة «بدلاً من ان يتبرّع دياب بمنحها التغطية».

 

هذه الاعتبارات ستكون حاضرة على بساط البحث خلال اجتماع تكتل «الجمهورية القوية» اليوم، وبالتالي ستدفع في اتجاه اتخاذ قرار بحجب الثقة عن حكومة دياب.

 

لكن، وعلى رغم من هذا «الموقف المبدئي» المعترض على نمط تكوين التشكيلة الوزارية، فإنّ «القوات» تتجّه في الوقت نفسه نحو ابقاء الباب موارباً امام الحكومة، بمعنى أنّها ستفصل في المرحلة الاولى بين عدم منحها الثقة وبين الاستعداد لاعطائها فرصة لكي تثبت جدارتها في مواجهة التحدّيات الصعبة التي تنتظرها، ليبنى بعد ذلك على الشيء مقتضاه، سلباً ام ايجاباً.

 

وانطلاقاً من هذه المعادلة، سيراقب «رادار» معراب سلوك الحكومة في الفترة المقبلة وما الذي ستفعله، فإذا اثبتت أنّها تستطيع تحقيق انجازات سنصفق لها، واذا اخفقت سنقسو عليها، كما يوضح مصدر قريب من جعجع، لافتاً الى انّ «القوات» لن تعتمد معارضة «عنزة ولو طارت» التي تحرّكها النكايات، فقط لأنّها موجودة خارج مجلس الوزراء، «وانما ستتعاطى مع اعمال الحكومة بالمفرّق، اي على القطعة او على الملف، وان كانت قد رفضت بالجملة طبيعة التشكيلة».

 

وعليه، توحي «القوات» وكأنّها تريد تبرئة ذمتها في البداية، لتبرير انتقالها لاحقاً الى صفوف المعارضة الكاملة، وهذا ما يفسّر أنّها لا تزال حتى هذه اللحظة تهادن الحكومة نسبياً وتتجنّب مهاجمتها بحدّة، على قاعدة «كل شي بوقتو حلو». اذ انّ جعجع يفترض ضمناً انّ الحكومة ستهدر الفرصة الممنوحة لها، وعندها ستكتسب معارضته ونهجها كل المشروعية والصدقية الضروريتين، بدلاً من التسرّع في حرق المراحل ومحاكمة النيات من الآن.

 

والى ذلك كله، ليس معروفاً ما إذا كانت «القوات اللبنانية» ستعترف حقاً بأي نجاحات محتملة قد تحقّقها حكومة مصنّفة بأنّها من لون واحد ومحسوبة على فريق 8 آذار و«التيار الحر»، أم أنّ حسابات من نوع آخر ستؤثر في تحديد سلوك معراب. انّه «اختبار نزاهة» ينتظر «القوات»، وكذلك كل من اختار الوقوف على ضفة النهر.