يلاحظ هذه الايام ومنذ مدة غير بعيدة وجود اصابع خفية تنفخ في بوق التشهير والتحريض ضد الجيش اللبناني، لغايات في نفوس اصحابها، المستفيدين من خطايا الطبقة السياسية التي تسببت ببلبلة و«ضياع» بعد اخذ ورد التعيينات العسكرية، التي انهت بعرس وطني اوصل العماد جوزاف عون الى قيادة الجيش في ظاهرة شعبية قلما شهد لبنان مثيلا لها.
واذا كان القائد على ما يقول زائروه قبل عارفيه، غير مهتم بالسياسة نظرا لمتابعته اليومية للورش المفتوحة على كل مستويات الجيش لاعادة ضخ الدماء في عروقه مع انطلاقة عهد لبناني جديد، فان ثمة من بدأ منذ اللحظة بالتسريب طورا والايحاء تارة عن تصفية حسابات من هنا وانتقام من هناك داخل المؤسسة، وانتقاد لتشكيلات وتعيينات وأحاديث عن «فضائح» وارتكابات، قد تكون صحيحة ام خطأ ، الا انه مبالغ فيها في كل الحالات، من باب الاساءة لا الاصلاح و«تنفيس» الاندفاعة التي يقودها «الآتي من عرسال الى اليرزة».
ولعل من ابرز تلك المحطات ما أثير منذ ايام عن زيارة وفد من تلاميذ الكلية الحربية لمعلم مليتا والذي حمل الكثير، في هذا الوقت الحساس، حيث حاول المغرضون الربط بين الجيش اللبناني وحزب الله لاثارة حساسية الاميركيين، خصوصا ان ثمة من يعمل في واشنطن على «الحفر» وراء الجيش اللبناني، فيما حقيقة الامر ابسط من ذلك بكثير، حيث يؤكد مصدر امني ان الكلية الحربية تعد مع بداية كل عام يتضمن زيارات لمواقع اثرية وثقافية لبنانية لتعريف التلاميذ الضباط بتاريخ وحضارة هذه البلاد، من هذا المنطلق ادرج معلم مليتا باعتباره يمثل حقبة من التاريخ القريب، فضلا عن ان هذا المعلم يتمتع بخصوصية معينة ذات طابع عسكري اذ يقدم نموذجا حيا لقتال «الغيريللا» ومعاينة على ارض الواقع لهذا الاسلوب، كما انه يضع طلاب الكلية الحربية على تماس مباشر مع اسلحة اسرائيلية غنمت خلال المواجهات، من هنا فان الزيارة لم تكن بطبيعة الحال لجهة حزبية انما لمعلم يجسد مرحلة من المواجهة مع اسرائيل كان الجيش فيها هدفا للعدوان سقط له شهداء وجرحى خلالها.
الا انه ما كادت تهدأ تلك الزوبعة حتى خرج من يفتح النار على خلفية عملية «قض المضاجع» التي لو لم تحصل لكان زلزال ضرب لبنان، بحسب ما بينت التحقيقات والمضبوطات، على ما يشير المصدر الامني، الذي يؤكد ان قيادة الجيش قامت منذ اللحظة الاولى باتخاذ كل الاجراءات حيال المرتكبين لاعمال فردية مخلة بالقوانين وبصورة المؤسسة، قبل ان تنتشر اي اخبار او صور، كما انه قام بالطلب الى الصليب الاحمر المساعدة في تأمين المستلزمات الضرورية للموقوفين نظرا لعدده الكبير وصعوبة استيعابهم دفعة واحدة وقد لبى الصليب الاحمر النداء وقام بتقديم كل ما يلزم وجهز مراكز التوقيف المؤقتة مؤمنا الادوية لاصحاب الامراض المزمنة والفرش والمياه والمتابعة الطبية للموقوفين الى جانب الفرق المختصة في الجيش اللبناني.
ويتابع المصدر ان الجيش تعامل بشفافية كبيرة في مسألة وفاة السوريين الاربعة التي ادتت فيها عوامل الحرارة المرتفعة دورا اساسيا، اذ قام بنقل المتوفين الى مستشفيات مدنية علما انه كان يوجد مستشفى عسكري ، كما انه نقل اكثر من 17 موقوفا الى المستشفيات اخضعوا للعلاج، فلماذا لا يسال احد عن حالتهم وما اذا كان هناك من آثار ضرب على اجسادهم؟ وكيف بمؤسسة انشأت حديثا مديريتين خاصتين لتماشي الجيوش الحديثة الاولى هي مديرية التعاون المدني والعسكري، والثانية مديرية تعنى بحقوق الانسان والتعاون الانساني، وقد جاء ذلك بقرار واضح من قيادة الجيش لاحداث نقلة نوعية على صعيد التعامل مع المدنيين وفقا لمعايير حقوق الانسان الدولية، كاشفا ان التحقيقات تجري بالسرعة والدقة المطلوبتين، اذ يجري التعامل مع كل حالة على حدى فمن تثبت ادانته يحال الى القضاء المختص وقد اصبح العدد بحدود العشرين موقوفا، ومن تثبت براءته يخلى سبيله، ام من ارتكب مخالفات من العسكريين فيتحمل عواقب ما اقترف، اذ لا تغطية ولا تستر على اي كان تحت اي ظرف من الظروف، فالجيش الذي يحارب الهمجية الارهابية لا يرضى وان على سبيل الممارسة الفردية هكذا تعامل من قبل جنوده، الا انه في المقابل يرفض بالمطلق تعميم الاتهامات يالشواذ على المؤسسة فما يقترفه بضعة عسكريين لا يعني باي حال من الاحوال ولا يبرر مهاجمة 70 الف جندي وضابط واتهامهم بكل انواع الاتهام خلافا لأي منطق او قانون.
اوساط سياسية متابعة، رأت ان ثمة من يحاول اللعب على مسائل حساسة تثير حساسية الغرب عموما وواشنطن خصوصا، سواء بداية في الحديث عن تعاون بين الجيش وحزب الله، او بعدها عبر اثارة ملف حقوق الانسان، بهدف ضرب التعاون العسكري القائم مع واشنطن والذي اثمر تفعيلا لبرامج التسليح والتدريب التي يحتاج اليها الجيش ويعتمد عليها لتحقيق الانجازات في الحرب ضد الارهاب، مشيرة في هذا الخصوص الى دخول عامل تحميل الخطأ الشكلي الذي ارتكبته دوائر رئاسة الحكومة بنشرها خبر «استدعاء» قائد الجيش للقاء رئيس الحكومة، وهو في الحقيقة طلب اليه الحضور ومحاولة خلق شرخ في العلاقة بين اليرزة والسراي، والذي تداركه الرئيس الحريري في سياق رده على الصحافيين، كما وزير الدفاع الذي حضر برفقة قائد الجيش وفقا لما ينص عليه الدستور، حيث كانت الاجواء ايجابية جداً واتت في سياق الاتصالات الدورية بين الجانبين. محذرة من مخاطر اللعبة المذهبية التي يحاول البعض ادخال الجيش في متاهاتها في محاولة لخلق اجواء مشابهة لما حصل بعيد السابع من ايار، داعية الى ضرورة تنسيق المواقف بين رئيسي الجمهورية والحكومة في هذا الخصوص وتأمين اجماع وزاري وسياسي حول دور الجيش.
واشارت المصادر الى ضرورة ان يتم استدراك اللغط الدائر حول عملية يعتزم حزب الله القيام بها في الجرود الى جانب الجيش السوري وما يرافقها من تسريبات عبر موقف واضح يغطي اي خطوة سيقوم بها الجيش سواء اكان مشاركا في العملية ام لا وتأمين الغطاء اللازم في هذا الخصوص، خصوصا ان موقف رئيس الحكومة الرافض لعملية حزب الله صراحة، قد يجعل الجيش في موقف صعب ما لم يتم استباق الامور.
تاريخيا وصف الجيش اللبناني بالصامت الاكبر، حتى انه اقتنع بما وصف به، غير ان ما كان يصح في زمن التلفزيون الواحد والاذاعتين وبضع صحف، ما عاد يجوز اليوم في زمن وسائل التواصل الاجتماعي وتحول كل مواطن الى مراسل، فكما حق لبنان عليكم ان تموتوا ليحيا من حق اللبنانيين ان يسمعوا منكم ،فقد حان الوقت للانتقال من الدفاع الى الهجوم. فاذا كنتم تحاسبون المرتكب دون تغطية او مسايرة، فمن حق الملتزم ان يصان دمه ويكرم ويكافأ ممن عاهد واقسم ان يحافظ عليهم ويصونهم.