لم يكن أحدٌ يتوقع أن يرتفع «الدخان الأبيض» من بيت الوسط أمس الاول. فالجديد المطروح حول الحصص والأحجام لم يكن يؤشّر الى إمكان التوافق. فالعقد ما زالت مستعصية على الحل، وهو ما جعل نتائجها «على قاب قوسين» من الإنفراج او الإنفجار على السواء. فما الذي يقود الى هذه المعادلة؟
على وقع ما بدأ يتسرّب من مساعٍ لفكفكة العقد الحكومية، لم يجرؤ أحد بعد على تقدير النتائج التي يمكن أن تفضي إليها. فالبحث عن «إبرة الحل» في «كومة القش» التي كوّنتها المطالب التعجيزية ليس مهمّة سهلة، رغم أنّ الحاجة ماسّة إلى مثل هذه «الإبرة» لنسج تفاهمات جديدة على أنقاض ما تمزّق منها وأظهر عورات المتستّرين بها.
فأمام الباحثين عن مخارج، مطبّات وحواجز لا يُستهان بها. وباعتراف أحدهم، أنّهم لا يواجهون جبالاً وحواجز طبيعية عالية بقدر ما تقود المساعي الى صحراء قاحلة تتراءى لنا بؤر الماء فيها عن قرب من وقت لآخر، قبل ان نكتشف أنّها سراب.
ويعترف أحد كبار المفاوضين، بأنّ كل المحاولات التي جرت إلى اليوم لإنزال الأطراف من علياء سقوفها باءت بالفشل. ليس لأنّ لكل منهم ما يبرّر الإحتفاظ بسلّة شروطه فحسب او الإحتكام الى قوى خارجية، بل بسبب المعلومات والتسريبات الوهمية التي تقودنا أحياناً الى الأمل بإمكان إحداث خرق في جدار هذا المأزق الكبير الذي وصل إليه الجميع ولو على مراحل.
وأضاف: «توحي لنا بعض «المصادر الخفية» التي تتحكّم بمسار المفاوضات من وقت لآخر، أنّ هناك صيغة جديدة يمكن البناء عليها للتقدّم خطوة إلى الأمام، فإذا بنا نتراجع خطوات إلى الوراء».
وقال: «قبل أيام قليلة قصد مساعد الرئيس الحريري الوزير غطاس خوري قصر بعبدا ناقلاً صيغة حكومية ثلاثينية بُنيت على ما أنجزته الإتصالات، ومنها تلك التي تحدثت عن دور خفي للضاحية الجنوبية يمكن أن يحلحل العقدة الدرزية كما عقدة إسناد وزارة الصحة الى «حزب الله»، وعلى الحريري عندها أن يقود مهمّة ترطيب أجواء القوات اللبنانية و»استدراجها» إلى صيغة جديدة لتوزيع مقاعدها الأربعة بما يرضيها.
وقبل الدخول في تفاصيل هذه المعطيات الجديدة، لا بدّ من الوقوف عند ما أوحى به رئيس الجمهورية أمام زواره قبل أيام، عندما أبلغ بعضاً منهم أنّه سيتكفّل بحل عقدة تمثيل القوات اللبنانية متى توفّر حل العقدة الدرزية وتمثيل «سنّة 8 آذار»، وهو ما دفع بالحريري إلى استعجال الزيارة إلى عين التينة، بعدما مهّد لها بالتأكيد أنّه هو ومعه «حزب الله» يريدان تسهيل الولادة الحكومية.
وعليه، فقد جاءت زيارة الحريري إلى الرئيس بري طلباً للدعم، للمساهمة في تذليل إحدى العقبات التي تحدّثت عن فيتو أميركي بشأن تولّي «حزب الله» حقيبة الصحة منعاً لوقف المساعدات لهذا القطاع.
وبشأن العقدة الدرزية، قالت الرواية إنّ بإمكان بري ومعه «حزب الله» إقناع وليد جنبلاط بالتخلّي عن الوزير الدرزي الثالث، وليس ضرورياً أن يكون بديله الأمير طلال ارسلان أو من يسمّيه منعاً لإحراج جنبلاط، ولكن الطائفة الدرزية مليئة بالشخصيات المعتدلة التي تُرضي الجميع.
وجاء في أحد السيناريوهات- على الرغم من صعوبة تصديقه- أنّه يمكن حل عقدة تمثيل «القوات اللبنانية» بإعطائها حقيبتين خدماتيتين مهمتين بدلاً من الحقيبة السيادية، بعد توقّف الحديث عن نيابة رئاسة الحكومة، وثالثة عادية ورابعة وزارة دولة، وإن تعذّر ذلك يمكن لرئيس الجمهورية ان يجترح صيغة أخرى كما فعل عند تشكيل الحكومة السابقة.
وبانتظار ان تتوضّح نتائج اللقاء المطوّل في بيت الوسط مع الوزير باسيل، يتجّه الحريري الى إجراء مزيد من الإتصالات، وسيكون من زوار بيت الوسط قريباً موفدون من الاشتراكي و«القوات اللبنانية» لاستقصاء ردود الأفعال على ما هو مطروح.
لا يستطيع أي مفاوض حسم الخطوات المقبلة، لكن ما يجري اليوم يمكن اختصاره بأننا ربما نكون على قاب قوسين أو أدنى من الانفراج أو الانفجار الذي لا نعرف من اليوم ما ستكون تردداته.