إنهارت بسرعة كل الإنجازات التي انتهت اليها استقالة الرئيس سعد الحريري من الرياض وتفرّق عشّاق «الوحدة الوطنية» بسرعة، ولم يعد يجمعهم سوى «السقف الحكومي» رغم التشققات التي أصابت الأسوار التي تحميها. لكن ما هو متوقع من استحقاقات قبَيل الإنتخابات النيابية قد يضعها امام اكثر من امتحان وفي اكثر من مأزق، فهل بقدرتها تجاوزها؟
شاء من شاء وأبى من أبى ومن دون طلب الإذن من احد، ورث العام 2018 أزمة مرسوم تسوية اوضاع ضبّاط دورة العام 94 وحافظت الأطراف المعنية بالإشكال على مواقفها المتصلبة وبالحدة والحزم نفسه، وبقي الحديث عن مبادرة للرئيس الحريري مجرد سراب لم يرصده أحد بعد، رغم الحديث عن النية بخطوة ما في اتجاه حصر الخلاف بما قد بلغه.
وفي هذه الأجواء إعترف مرجع معني بالخلاف انه ليس في الأفق ما يوحي بأنّ هناك مخرج واقعي قابل للتطبيق، خصوصاً انّ الموضوع ليس محصوراً بمعالجة المرسوم الخاص بالتسوية وسط اعتقاد قصر بعبدا أنه بات نافذاً وفق ما يقول به قانون الدفاع ولا حاجة لنشره في الجريدة الرسمية وإصرار عين التينة على ضرورة ان يوقّعه وزير المال ليسلك طريقه الى المراحل التطبيقية، وفقاً لما قالت به المادة 54 من الدستور.
وعلى هذه القواعد التي عَبّرت عنها المواقف الجامدة من هذه الأزمة، ما زال الأمر معلّقاً على اكثر من مستوى. وما هو ثابت لا يخضع لأيّ نقاش ان الضبّاط من رتبة مقدّم وما فوق لن يحملوا الرتب الجديدة المقترحة بموجب مرسومي الترقية وجدول القيد الذي رفعه وزير الدفاع الى المراجع المعنية مع حفظ حقوق الجميع بهذه الترقية ومفاعليها، بدءاً من الأول من العام الجاري، متى جَرت التسوية، ليخرج مرسوم الترقية بكامل المواصفات القانونية والدستورية من وزارة المال الى بعبدا ومنها الى الجريدة الرسمية.
على هذه الخلفيات تتبادل الصالونات السياسية الكثير من الروايات المتناقضة والتي لا تجمع سوى على القول انّ المسافات ما زالت شاسعة بين تصوّر ورؤية قصر بعبدا للأزمة، وتلك التي عبرت عنها عين التينة، ولم يقصّر الطرفان في التعبير عن هذه التناقضات في الساعات الماضية.
وفي الوقت الذي يمتلك فيه قصر بعبدا كمّاً من التفسيرات الدستورية التي تبرر عدم الحاجة الى توقيع وزير المال على مرسوم التسوية بفعل التجارب السابقة وتحديداً تلك التي صدرت في الأسابيع القليلة الماضية، والتي عبّرت وباتت سارية المفعول من دون ان يسأل أحد عن توقيع وزير المال فإنّ رئيس المجلس النيابي نبيه بري كان صريحاً أمس عندما عبّر امام نواب الأربعاء عنه اعتقاده بأنّ إعادة المرسوم الى وزير المالية لتوقيعه يشكّل المخرج الوحيد للأزمة. عدا عن كونه مرسوماً لا يصبح نافذاً الّا عند نشره في الجريدة الرسمية.
وعلى رغم المواقف المختلفة وعدم رصد اية مبادرة للتدخّل من اية جهة كانت، فإنّ ربط البعض بين هذه الأزمة ووضع الحكومة المدعوّة اليوم الى جلسة هي الأولى مطلع العام الجديد ليس في مكانه على الإطلاق.
بتأكيد من مختلف الأطراف التي تجزم بأنّ الساحة الحكومية لن تكون مسرحاً لهذه المواجهة. فالحكومة التي خرجت مُنهكة من مسلسل الازمات المُتتالية بدءاً من الإستقالة والتريّث والعودة عنها، لا تحتمل اية خضّة.
وإنّ ما تركته من ندوب في العلاقات بين الكتل الوزارية الوازنة وفشل البعض في تغيير وتبديل بعض الحقائب والوزراء يكفيها، علماً انّ جميع الأطراف حريصة على حمايتها على الأقل في المرحلة الراهنة.
ولذلك، تلتقي مراجع مختلفة على القول انّ الحد الأدنى المطلوب من «التضامن الحكومي» متوافر ومضمون من اكثر من اية جهة محلية واقليمية ودولية.
وهو ما أكدته مراجع دبلوماسية تتحرك في الخفاء والعلن، فقالت انّ المَس بالحكومة في هذا التوقيت بالذات لا يفيد أحداً على الإطلاق، وانّ تسوية بعض الملفات يجب ان تجري تحت السقف الحكومي فهو الرداء الوحيد الذي ما زال يخفي عورات اهل السلطة ويجمعهم بالرضى او بالإكراه لا فارق.
وتأسيساً على ما تقدّم ستنعقد جلسة اليوم ولن يغيب أحد من الوزراء عن الجلسة للبَتّ بالكثير من القضايا المُدرجة على جدول الأعمال، وسط أجواء عَزّزت فيها بعض الروايات التي تفتقر الى الدقة والموضوعية وتُجافي الكثير من الوقائع الثابتة لتعمية الرأي العام، وهو ما أوحى انّ المسألة ليست مسألة خلاف على وجود توقيع من هنا او من هناك، وهو أمر إن دَلّ على شيء فهو يدلّ على النية بتعمية الناس وإلهائها عن الكثير ممّا ينوي البعض تكريسه من خارج الأصول الدستورية، وهو ما ترك أمس ردّة فعل سلبية عند رئيس الجمهورية الذي نَبّه من «حرب المصادر» مُرفقة بالدعوة الى تبادل المعلومات والحقائق دون غيرها.