لم يكد الرئيس المكلف تشكيل الحكومة اللبنانية العتيدة، المتعثرة ولادتها، سعد الحريري، ينهي مؤتمره الصحافي في »بيت الوسط«، بعد ظهر أول من أمس الثلاثاء، ومحوره الاساس الرد على »حزب الله« ومن يوالونه في اتهام هؤلاء الرئيس الحريري بتعطيل ولادة الحكومة هذه.. حتى اعلنت وزارة الخارجية الاميركية أنها »صنفت جواد نصر الله، نجل الامين العام لـ»حزب الله« السيد حسن نصر الله »إرهابياً عالمياً..« وقد وصفته بأنه »القائد الصاعد للحزب.. وقالت إنه قام خلال السنوات الاخيرة بتجنيد أشخاص »لشن هجمات إرهابية ضد إسرائيل في الضفة الغربية« المحتلة.. لافتة الى ان »تصنيفات اليوم تسعى الى حرمان »حزب الله« و»كتائب المجاهدين« من موارد للتخطيط للهجمات الارهابية وتنفيذها..«.
العقوبات الاميركية هذه ليست جديدة، وهي شملت العديد من قيادات الحزب، كما والحزب نفسه.. وقد كانت »في التوقيت والمضمون، بالغة الدلالة، ورسالة بالغة الدقة الى الرئيس الحريري نفسه، وضغط غير مباشر، بهدف ابعاد الحزب عن الحكومة اللبنانية الجديدة، والعقوبات الاميركية، ضد ايران وقيادات الحزب السابقة والحالية سارية المفعول..
لم تغب المسألة عن المؤتمر الصحافي للرئيس الحريري، وهو رداً على سؤال: »هل تتخوف من وجود »حزب الله« في الحكومة في ظل العقوبات الاميركية« قال: »العقوبات أصبحت واقعاً، علينا مواجهته.. لسنا مع عزل أي فريق، ومنذ البداية كانت مفاوضات مع كل الافرقاء، و»حزب الله« بشكل جزءاً من الشعب اللبناني وعلى هذا الاساس نتواصل معه..« انها رسالة بالغة الدلالة والأهمية من الرئيس الحريري الى الادارة الاميركية، التي لم يعد همها سوى حماية الاحتلال الاسرائيلي وتوفير كامل الدعم له، وهو يمضي في حرب الابادة ضد شعب فلسطين، ولم يكن لبنان بمنأي عن هذه العدوانية.. كما وانها رسالة بالغة الدلالة والأهمية الى »حزب الله« نفسه، ليدرك عن كثب وبالوقائع، شبكة الأمان الوطنية التي يوفرها تصحيح العلاقات مع الرئيس الحريري وما ومن يمثل؟!
على ما كان أكد في أوقات سابقة عديدة، لم يتراجع الرئيس المكلف عن ثوابته الوطنية المبدئية السياسية والأخلاقية والقيمية، ومعنى في مسيرته وهو يحمل فوق كتفيه اعباءً »ما أنزل الله بها من سلطان«، متمسكاً بمبدأ »ان لا أحد أكبر من وطنه..« وبسياسة النأي بلبنان عن السقوط في مربعات المحاور الدولية والاقليمية، وهي السياسة التي يرى أنها »توفر للبنان حاضنة ورعاية دوليتين، هو بأمسّ الحاجة اليها في مثل هذه الظروف والتطورات التي تشهدها المنطقة..« من دون ان يعني انعزل لبنان عن محيطه العربي الطبيعي ودور حياته الاقتصادية..
وبعيداً عن التفاصيل المملة، والتي تصدرت واجهة التعقيدات والمطالب والشروط والشروط المضادة، فإن الرئيس المكلف لم يتراجع عن دعوته الجميع الى التضحية لتسهيل تشكيل الحكومة العتيدة، فلا وزير بالناقص، ولا وزير بالزائد، يقدم او يؤخر.. إلا اذا كان وراء هذه المطالب ما تخفيه الالسنة وتظهره الوقائع والممارسات. وهو في هذا استمر في تحذيره لجهة انه اذا أراد أي طرف المشاركة على أساس التصادم مع الآخرين، فإنه لن يقبل بذلك اطلاقاً.. »لأن مثل هذا الامر، – على ما قال وردد أكثر من مرة، وفي غير مناسبة – لا يصب في مصلحة لبنان، ولا في مصلحة اللبنانيين، والجميع سيكون خاسرين..«.
بحكمة وروية وهدوء وتعقل، تناول الرئيس المكلف، سعد الحريري ما آل اليه الوضع اللبناني، خصوصاً، بعد المواقف الاخيرة للأمين العام لـ»حزب الله« السيد حسن نصر الله، وتمسك الاخير بـ»توزير نواب سنة 8 آذار.. المستقلين عن »المستقبل« وقد قدّم الحريري، جردة – طويلة عريضة – لمسيرة الاستشارات وما واجهه من عقبات وعراقيل وعقد، ووضع النقاط على الحروف، مع »القوات اللبنانية« كما ومع وليد جنبلاط.. ليؤكد للجميع، ولكل من يعنيهم الأمر انه ليس الشخص الذي يعرقل ولادة الحكومة، على رغم الصلاحيات الدستورية التي له، وهو الذي تحمل اعباء الاستشارات والمفاوضات والمناكفات، والسجالات على مدى اكثر من خمسة اشهر، مع قوى سياسية، خلصت في النهاية الى توافقات، وضعت تأليف الحكومة قاب قوسين او ادنى من ولادتها قائلاً: »أنا فعلت واجباتي والحكوة جاهزة، وعلى الجميع تحمل مسؤولياتهم« الى ان دخلت مسألة توزير »نواب سنة 8 آذار، على الخط، فكانت عرقلة جديدة وهو الذي كان أكد ولايزال يؤكد »ان هذا الامر لن يمكن ان يمر.. وفتشوا عن غيري.«؟!
لم ينكر الرئيس الحريري ما آلت اليه نتائج الانتخابات النيابية الاخيرة.. لكن مشكلتنا في هذا البلد، على ما قال الرئيس المكلف، »اننا جميعاً نقف على »صوص ونقطة« ومن يأخذ هذه الوزارة او تلك..« مشدداً على ان »ليس مطروحاً حكومة اكثرية.. ولا حكومة أمر واقع، بل حكومة وحدة وطنية، واكثرية الاحزاب الكبرى (بما فيها »حزب الله«) موجودة في هذه الحكومة، »حكومة الوفاق الوطني« على ما يرغب ان يصفها وهي »حكومة تحمي البلد من كل التحديات..«.
لقد دفع لبنان ومايزال، يدفع فواتير عديدة.. والبلد على ما يقال في وضع بالغ الدقة بل والخطورة، وعلى العديد من المستويات، والفرصة أمامه للخروج من هذا المأزق الصعب، لم تغب نهائياً بعد.. والكرة هي في ملعب الجميع في ان ينظروا باهتمام ومسؤولية الى المبادرة الرئاسية التي يجريها الوزير جبران باسيل.. وقد قالها الحريري بالفم الملآن: »التأليف سهل اذا عدنا الى الاصول وهذه مهمتي أنا وفخامة الرئيس، وأنا قمت بما عليَّ والحكومة جاهزة وليتفضل الكل ويتحمل مسؤولياتهم ليمشي البلد..«.