قد يكون مشهد التوتر معتاداً ومكرراً خلال جلسات الحكومات السابقة، لكنه في حال حصوله اليوم، فهو سيكون حتماً ذات دلالة ورمزية في مسار حكومة المصلحة الوطنية، التي تعرّضت منذ ولادتها لأكثر من هزة عنيفة كان يمكن أن تؤدي إلى انفراط عقدها، لولا أن القرار بإبقائها على قيد الحياة وتجنيبها كأس الشلل وتصريف الأعمال المرة، هو قرار مشترك بين جميع مكوناتها على الرغم من اختلافهم في كثير من الملفات الداخلية والاقليمية.
ما يمكن تسجيله منذ ولادة حكومة الرئيس تمام سلام أنها لا «تزال خطاً أحمر» لا يريد أي من مكوناتها والقوى السياسية الداخلية والاقليمية الداعمة لها محوه أو تخطيه، ولذلك يجري عند كل منعطف خطير يعترض سيرها، تدوير الزوايا الحادة وترحيل الملفات الخلافية وتأجيلها إلى حين إنضاج الحلول السياسية، التي تمهد لاحقاً لتمريريها بسلاسة في مجلس الوزراء أو وضعها «على الرف» في حال تعذر ذلك. وهذا ما يوافق عليه وزير العدل أشرف ريفي قائلاً لـ»المستقبل» إن «الامور داخل مجلس الوزراء لم تصل إلى حد تفجير الحكومة»، ويشير وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس إلى أن «هناك اتفاقاً على عدم طرح القضايا السياسية الكبرى، وفي كل مرة تقف فيها الحكومة على شفير الهاوية، ترجع إلى الوراء لأن الجميع مدرك أن الحفاظ عليها يعني الحفاظ على البلد». ويلفت وزير الدولة لشؤون مجلس النواب محمد فنيش إلى «أن القرار السياسي اللبناني والاقليمي والدولي هو أن يبقى لبنان مستقراً ويحافظ على الحد الادنى لعمل المؤسسات الدستورية». ويعتبر وزير السياحة ميشال فرعون أن «لا أحد من الأفرقاء لديه مصلحة في تعطيل الحكومة، من دون أن نلغي فرضية التعطيل تماماً استناداً إلى التجارب الحكومية السابقة». ويرى وزير الثقافة ريمون عريجي أنه «لا قلق على مصير الحكومة لأن الجميع متمسك باستمرارها خصوصاً في ظل الفراغ الرئاسي، وغياب الحكومة في ظل الفراغ يعني غياب السلطة التنفيذية».
يوافق وزير التربية الياس بو صعب على كلام عريجي ويقول إن «بقاء الحكومة أو استقالتها هو قرار سياسي، ومنذ تشكيلها إلى الآن لا أعتقد أنه طرأ تغيير على هذا القرار».
إذاً الحكومة باقية على الرغم من التباينات والمناكفات، وهذا أمر يُجمع عليه كل الوزراء ويعللون أسباب هذا البقاء كل من وجهة نظره، إذ يقول ريفي: «ليست المرة الاولى التي تهتز فيها الحكومة، لكن الامور لم تصل إلى حدود التعطيل والشلل، فالقرار السياسي لا يزال سارياً وهو عدم شل الجسم الاخير الذي يسيّر شؤون البلد، صحيح أن الحكومة تسير كرجل أعرج لكنها تبقى أفضل من أن تكون رجلاً ميتاً«.
ويضيف: «نسمع أن التباينات هي لأسباب تقنية، لكن حقيقة الامر انها لأسباب سياسية لكن لم تصل الامور إلى حد تفجير الحكومة».
ويقول درباس:» انطباعي الشخصي أن لا أحد من الاطراف الممثلة في الحكومة، مستعد لأن يغامر بإصابتها بالشلل، فالجميع يدرك أهمية استمرارها على الرغم من احتدام النقاش في جلساتها، وفي كل مرة تصل الحكومة إلى حافة الهاوية ثم تعود الامور إلى نصابها بالنقاش الهادئ. كما أن الجميع متفق على تلافي طرح القضايا الاساسية الكبرى، والملفات التي تطرح من على جدول الاعمال قد تخلق توتراً بين وزيرين مختلفين سياسياً، أو حتى من فريق سياسي واحد ولكن بعد الاختلاف يعودون إلى حقيقة أن الحفاظ على الحكومة يعني الحفاظ على البلد ويجري حل الخلافات على الملفات بالنقاش السياسي».
من جهته يعتبر فنيش أن «التباين داخل مجلس الوزراء أمر طبيعي، خصوصاً ان الحكومة تأخذ قراراتها بالتوافق، ولذلك يحصل نوع من التباطؤ والتأخير والاختلاف في وجهات النظر، لكن الوضع والقرار السياسي الداخلي والاقليمي والدولي، هو أن يبقى لبنان مستقراً ومحافظاً على الحد الادنى من عمل المؤسسات وبقاء النقاش قائماً لتقريب وجهات النظر».
ويضيف: «لذلك على كل طرف أن يفهم وجهة نظر الطرف الآخر، ولا يمكن القول إن الوزير هو صاحب الصلاحية، لأن القرارات تؤخذ بالإجماع، لذلك على الجميع أن يكونوا مستعدين لقبول الرأي الآخر والقبول بقاعدة أن القرارات تؤخذ بالإجماع وهذا هو الحل للملفات العالقة».
يصف فرعون ما يحصل في مجلس الوزراء بأنه «عراقيل توضع في وجه الملفات المتعلقة بشؤون الناس، وليس تعطيلاً قد يؤدي إلى شلل الحكومة، والمطلوب هو ثقة أكبر بأداء الوزراء»، ويلفت إلى أن لا مصلحة لأحد في تعطيل الحكومة من دون استبعاد أن تكون هناك نية للتعطيل استناداً إلى التجارب الحكومية السابقة»، ويعتقد «ان الخلافات الحاصلة ليست جوهرية ولذلك نستغرب كل هذه العرقلة».
ويلفت عريجي إلى أن «التباينات أمر طبيعي داخل مجلس الوزراء خصوصاً أن مكوناتها مختلفون سياسياً، والمشكلة هي عدم وجود رئيس للجمهورية للجوء إلى التصويت على الملفات الخلافية، ولهذا تأخذ هذه التباينات حجماً أكبر مما هي حقيقة ويربك الحكومة من دون أن يؤثر على بقائها».
ويضيف: «سياسياً كل الملفات تعالج بالاتفاق أو توضع جانباً في حال تعذر ذلك، وليس هناك قلق على مصير الحكومة لأن الجميع متمسك بها لأن غيابها في ظل الفراغ الرئاسي يعني لا سلطة تنفيذية في البلد«.
ويعتبر بوصعب ان «التباينات داخل مجلس الوزراء ليست كبيرة، والاختلاف حول الملفات وقع في كافة الحكومات السابقة، والمهم هل هناك قرار سياسي ببقاء الحكومة أم لا، وما أعرفه أن التباينات الحاصلة طبيعية ولا تغيير عن الأجواء السابقة يمكن أن يحصل، فبقاء الحكومة أو استقالتها هو قرار سياسي ولا شيء تغير منذ ولادتها إلى الآن».