Site icon IMLebanon

حكومة «إستعادة الثقة» فقدت ثقة النّاس وإن لم تفقد ثقة النواب وتداعيات معركة الجرود كشفت هشاشة التسوية التي أنتجتها

لم يعد خافياً على أحد من العاملين في الشأن العام، حتى من المعنيين أنفسهم، ان حكومة استعادة الثقة، كما سمّاها رئيسها، ليست في واقع الأمر كذلك، بل هي حكومة إئتلافية تشكّلت من أضداد مختلفين على كل شيء، حتى على الأمور الصغيرة التي تعتمد لتسيير شؤون الدولة بانتظار ان يأتي الفرج من الخارج، وتستقيم الأمور بانتصار فريق على آخر بحيث يتمكن من تشكيل حكومة منسجمة ومتناغمة فيما بينها على خطة عمل نهوض وطني تعمل على تنفيذها كفريق عمل واحد.

فالحكومة الحالية محكوم عليها بالفشل مسبقاً لأنها تشكّلت من مجموعات وأفراد منقسمة فيما بينها على القضايا الاستراتيجية مثل مفهوم الدولة السيادية التي لا شريك لها في السلطة، وفي اتخاذ القرارات الصعبة كقرار الحرب والسلم مثلاً، أو أي قرار آخر له طابع استراتيجي، أو في اتخاذ القرارات العادية كمثل وضع خطة لمحاربة الفساد أو على الأقل لتأمين الكهرباء 24/24 بدلاً من الواقع المأساوي القائم والذي كلف خزينة الدولة حتى الآن أكثر من 30 مليار دولار أميركي وفق اعترافات رئيس الحكومة سعد الحريري وإقرار جميع الوزراء، أو حل مشكلة النفايات المزمنة، أو إيقاف الهدر في المرافق العامة وباقي المؤسسات الرسمية كي يُخفّف عجز الخزينة وتنتقل الدولة من دولة فاشلة إلى دولة عصرية توازي بين الواردات الصحيحة وبين الإنفاق الممسوك، ناهيك عن أمور أخرى أساسية تتعلق بوضع الموظف المناسب في المكان المناسب والاعتماد على رقابة مجلس الخدمة المدنية في اختيار الموظفين الأكفاء إضافة إلى اعتماد سياسة اقتصادية علمية يضعها خبراء حياديون ومتجرّدون من التحزب والانتماء السياسي والطائفي أو المذهبي كما هو واقع الحال الذي يكفي وحده للحكم على الحكومة بأنها عاجزة عن العمل والاستجابة لمطالب شعبها وأبسط حقوقه بدلاً من الاكتفاء «بتقطيع» الوقت أو انتظار حصول أزمة ما لكي تنفجر من الداخل، أو لكي يظهر عجزها عن مواجهتها لأنها محكومة بالتناقضات الداخلية وعمق الخلافات بين أعضائها.

لقد مرّت الحكومة، وفق ما تقول مصادر سياسية، بعدة تجارب واستطاعت ان تخرج منها بقليل من الخسائر، لأن المصيبة بل المصالح، تجمع بين هؤلاء الأعضاء وليس الانسجام أو وحدة الرؤيا والموقف هي التي تشكّل أساس قيامها وتشكيلها، وها هي تمر هذه الأيام بتجربة معركة الجرود، وإن كانت ستخرج منها بفعل الظروف المحيطة والتسوية السياسية العامة، لكنها ستخرج مهشمة وعاجزة عن مواجهة الرأي العام اللبناني الذي لا يزال حتى الآن لا يعرف ملابسات معركة الجرود، ومن أخذ القرار بها، هل الحكومة أم حزب الله أم ان هناك فريقاً ثالثاً، لم يُعرف بعد، كان وراء التشجيع على اتخاذ مثل هذا القرار؟ وما معنى فتح تحقيق لمعرفة ملابسات قتل العسكريين المخطوفين في الوقت الذي كان بإمكان الجيش القبض على المسلحين وإخضاعهم لتحقيق قضائي لكي يتبين الخيط الابيض من الخيط الأسود ويرتاح ذوو العسكريين المقتولين وتخف حدة التوتر السياسي الذي تعيشه البلاد منذ ان كشفت الدولة بنفسها عن مصير العسكريين؟

وبعيداً عن هذه الأزمة التي كشفت هي أيضاً عن عمق الانقسام داخل الحكومة، وبالتالي عن وضعها المهزوز أو المعرض للاهتزاز امام حصول أية أزمة مشابهة، لا سمح الله، فإن هذه الحكومة الائتلافية مضى على قيامها، حتى الآن، قرابة السبعة أشهر من دون ان تتمكن من تحقيق أي إنجاز بما في ذلك قانون الانتخابات الذي تتباهى بإنجازه، والذي اعتبره الكثيرون مشكلة جديدة لا حلاً، إضافة إلى قانون السلسلة الذي أصدر مجلس شورى الدولة قراراً بوقف القوانين الضريبية التي اقرها مجلس النواب مؤخراً لتمويلها، ناهيك عن سياسة النأي بالنفس التي تحوّلت، بسبب ما حصل في جرود عرسال، إلى خرافة على حدّ تعبير المصادر، أو عن سياسة لبنان الخارجية والعربية بشكل خاص التي أدّت إلى وضع لبنان في شبه عزله وإلى غياب الزائر الخليجي والمستثمر الخليجي، وباختصار تحتم هذه المصادر بأن الحكومة التي تعجز عن اجراء انتخابات فرعية بسبب التناقضات داخلها لا تستحق ان تبقى في الحكم، وأن تطلق على نفسها حكومة استعادة الثقة.