Site icon IMLebanon

حكومة «الأجنحة المتكسرة»؟!  

 

ما شهدته جلسة مجلس الوزراء في السراي الحكومي أول من أمس الأربعاء، لم يكن عفوياً، ولم يكن – في نظر عديدين – بريئاً ومجرد تسجيل مواقف في مسألة، على أهميتها بالنسبة الى البعض، ما كانت تستأهل كل هذا الضجيج والبلبلة ورفع الأصوات الذي بلغ حد خروج رئيس »القوات اللبنانية« سمير جعجع الى العلن بالتقاطع مع انعقاد الجلسة محذراً من »ان هذه التصرفات (والمقصود محاولات بعض الافرقاء التنسيق مع نظام بشار الاسد) تهدد وجود الحكومة«؟! أي تفجير الحكومة من الداخل، والجميع يدرك استحالة تأليف حكومة جديدة في ظل الأجواء السائدة مختلفة عن الحكومة الحالية، ما يضع لبنان أمام شغور بالغ الخطورة تديره »حكومة تصريف أعمال«..

ما حصل في الجلسة، لم يكن سوى تعبير عن مواقف وانقسامات سياسية، معروفة ومسلم بها ولم يكن بند الزيارات الوزارية لسوريا سوى أحد مظاهرها، التي يمكن ان يشتغل عليها البعض لتعزيز الانقسامات.. والحق يقال، فإن ما لا شك فيه، ان رئيس الحكومة سعد الحريري،  يقوم بدور بالغ الأهمية والدقة والمسؤولية العالية المترفعة عن الحسابات والمصالح الضيقة الشخصية والفئوية، وقد أظهر طوال الأشهر الماضية قدرة عالية في النأي بالحكومة عن صراعات المحاور المحلية والخارجية، كما  والحسابات الخاصة.. متمسكاً بمبدأ »استعادة الثقة« و»سياسة النأي بالنفس« بأقصى ما يمكن..

من المبالغة تسخيف ما جرى على أنه مجرد حسابات ومواقف مبدئية داخلية  لهذا الفريق او ذاك من »النظام السوري«، سلباً او ايجاباً.. والرئيس الحريري، قبل غيره، يدرك ذلك، وقد تحمل المستحيل من الضغوط الدولية، ومن أبرزها الضغوط الاميركية على لبنان وذهب الى الولايات المتحدة »على رغم قساوة موقفها.. لأن المصلحة العليا تقتضي ان نبقى متفاهمين وان نتقبل خلافاتنا..« على ما قال في الجلسة طالبا شطب ما جرى من سجالات من المحضر..

تظهر التطورات ان لبنان بات في صلب اهتمامات الولايات المتحدة، كما ومعظم الهيئات الدولية التي لواشنطن تأثير بارز وقوي فيها، خصوصاً مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة.. في موازاة الضغوط الاميركية على لبنان ووضع قدرات »حزب الله« في جنوب لبنان تحت رقابة دولية اكثر تشدداً عبر تعزيز دور »اليونيفيل« العاملة في الجنوب، أبلغ الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريش مجلس الأمن في رسالة رسمية في الرابع من آب الجاري ان على الحكومة اللبنانية ان »تمارس سلطة فاعلة على كل الأراضي اللبنانية وتعمل على تجنب الأعمال العدائية من أراضيها..« والتأكيد ان على السلطات اللبنانية ان »تقوم بأعمال تضمن عدم وجود عناصر مسلحين غير مرخص لهم، وقدرات وأسلحة في المنطقة الفاصلة بين الخط الازرق ونهر الليطاني..«.

لم يكن الأمر يستلزم الكثير من التفكير لتدرك الحكومة اللبنانية ان المقصود في ذلك »حزب الله«، الذي بات »لاعبا اقليمياً«، في نظر عديدين، ويقوم بدور عسكري داخل سوريا كان من تداعياته معركة تحرير جرود عرسال من مسلحي »النصرة« كما وتقف على الأبواب مسألة تحرير جرود الفاكهة وراس بعلبك والقاع، تنتظر الساعة الصفر واشارة البدء التي، وعلى ما يظهر، تبدو ليست قريبة جداً، على رغم استهداف الجيش شبه اليومي لمواقع »داعش« في تلك الجرود..

لا أحد يتصور ان مسألة زيارة وزراء في الحكومة اللبنانية لسوريا يشكل كل هذا العصف.. خصوصاً وأن المسألة ليست جديدة، وكثيرون تحدثوا عن زيارات اسبوعية لدمشق لسبعة وزراء.. فما السر وراء ذلك؟!

المشكلة ان »النأي بالنفس« بات مسألة تحتاج الى ايضاحات، بعدما أدخلت عليه اجتهادات.. فالواضح ان الافرقاء المكونة منهم الحومة ليسوا متفقين على مفهوم واحد للنأي بالنفس، خصوصاً وأنه يستحيل وجود دولة عربية او اقليمية غير منغمسة في الصراعات الدائرة في اليمن والعراق  وسوريا.. وما حصل أول من أمس يضع الحكومة أمام امتحان بالغ الدقة والخطورة، خصوصاً وأن البعض راح بعيداً في قوله »ان الأمور في الحكومة ليست مقبولة، ونحن لا نقبل بأي تعاطٍ رسمي بين الحكومتين اللبنانية والسورية، وهذه الأمور تهدد بقاء الحكومة« على ما قال جعجع..

ليس من شك في ان العناد والمكابرة، كما والتصعيد ليس سلاحاً يضمن وحدة الحكومة وبقاءها، وقد باتت في نظر البعض أشبه بحكومة »الأجنحة المتكسرة«. وهي الحكومة التي تقع على عاتقها مسؤوليات جسام، خصوصاً بعدما فتحت أبواب المواجهات العسكرية مع الارهابيين في الجرود الشرقية، إضافة الى الملفات الحياتية والمعيشية والسياسية والمالية والاقتصادية المتراكمة، ولبنان على أبواب التحضير النهائي للانتخابات النيابية في ايار المقبل..

من الطبيعي ان تكون مقاربة العلاقات اللبنانية والسورية موضع تباين، او موضع حوار او موضع سجالات، لاسيما وان الصورة النهائية للأوضاع لم تتضح كفاية بعد.. لكن ذلك لا يمنع من التطلع الى المسألة من زاوية أكثر عمقاً، حيث ان – بنظر البعض – هناك أسباب توجب مقاربة هذه العلاقات، من النواحي الأمنية، كما وعلى الصعيد الاقتصادي لما تشكله سوريا – بفعل عامل الجغرافيا – من باب العبور المنتجات اللبنانية من والى الخارج..

الواضح حتى الآن، ان ليس في نيّة عديدين »تطبيع العلاقات«.. وكان الله في عون الرئيس الحريري وهو يرأس حكومة تمر بوضع هو الأكثر سوءاً منذ تشكيلها، وقد نجح في تجنب تفجيرها من الداخل أكثر من مرة، وعند الكثير من الملفات..