«بيعرفوها وبيحدفوها»… تلك هي حال معظم الأفرقاء السياسيين، ولا سيما منهم المعنيين بالاستحقاق الحكومي الذي لم يتلمّس بعد طريقه إلى الإنجاز على الرغم من مضيّ أكثر من شهرين ونيّف على تكليف الرئيس سعد الحريري مهمة تأليف الحكومة الجديدة.
هؤلاء الأفرقاء والمعنيون يعرفون الأسباب الحقيقية التي تعوق تأليف الحكومة أو تستأخره، ولكنهم يتغاضون عنها متلهّين بالخلاف على الحصص والأحجام ونوعية الحقائب التي ستوزَّع عليهم في التشكيلة الوزارية الجديدة، وهو خلاف سرعان ما سيضمحل فور سطوع الضوء الأخضر الخارجيّ في الأُفق، للشروع في إصدار مراسيم تأليف الحكومة.
فالمشكلة التي تعوق التأليف، على حدّ ما يقول سياسيّ يواكب حال الاستحقاق الحكومي، تتجاوز جميع الافرقاء السياسيين، والتوازن المطلوب أن يسود بينهم في التركيبة الوزارية العتيدة، الى المشكلة الكامنة في انعدام التوازن الإقليميّ.
فالولايات المتحدة الاميركية وحلفاؤها الاقليميون يعتقدون أنّ هناك تطورات تتجمع في أفق المنطقة لمصلحتهم، وستؤدي بهم، ربما خلال هذا الصيف أو في الخريف المقبل، إلى صدام مع إيران وحلفائها وعلى رأسهم «حزب الله» بغية تقويض النفوذ الإيراني المتعاظم في المنطقة.
ولذلك، يقول هذا السياسيّ، لا تحبّذ واشنطن وحلفاؤها تأليف حكومة لبنانية جديدة في هذه المرحلة، يكون لـ «حزب الله» وحلفائه حجماً عددياً ونوعياً فيها، يمكّنها من دعم أي معركة يخوضونها في إيران وفي الإقليم. ويفضّل الأميركيون وحلفاؤهم بقاء لبنان بلا حكومة على أن تكون له حكومة من هذا النوع، وذلك إلى حين تبلور مشهد مستقبل المنطقة، خصوصاً في حال حصول الصدام المرتقب مع ايران وحلفائها.
وفي المقابل، يؤكد السياسيّ نفسه، أنّ إيران وحلفاءها وعلى رأسهم «حزب الله»، وللأسباب نفسها المتّصلة بالصدام المحتمل مع طهران، لا يحبذون تأليف حكومة تكون فيها الغلبة لواشنطن وحلفائها الاقليميين، وإنّما يحبذون حكومة تغطّيهم وتحميهم، خصوصاً أنّهم يشعرون أنّ واشنطن وحلفاءها يريدون في هذه المرحلة، بعد المتغيّرات التي تشهدها الساحة السورية، أن يحققوا في الميادين، كما في السياسة والديبلوماسية، ما عجزوا عن تحقيقه حتى الآن، في الميادين، وفي السياسة ايضاً.
وفي ضوء هذين الأمرين، يقول السياسيّ نفسه، أنّ المشكلات والخلافات السائدة حول الحصص المسيحية والسنّيّة والدرزيّة والدائرة بين «التيار الوطنيّ الحرّ» وكل من «القوات اللبنانية» وتيار «المستقبل» والحزب التقدّمي الاشتراكيّ، تأتي في الدرجة الثانية أو الثالثة في ترتيب العقبات التي تعوق تأليف الحكومة. فالمشكلة الكامنة، بل الناشئة من التوازن الإقليميّ المفقود، تشكل 80 في المئة من العقبات والتعقيدات، فيما الخلاف الداخلي على الحصص والأحجام والحقائب الوزارية يشكل نسبة الـ20 في المئة المتبقية.
بل، إنّ هذا السياسيّ، يرى في الخلاف الداخلي حول الحكومة «تضييعاً للوقت»، فالولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها يدفعون في اتّجاه الصدام مع إيران، في الوقت الذي تمارس إسرائيل ضغوطاً على إدارة الرئيس دونالد ترامب، من أجل تشديد العقوبات على إيران وصولاً الى المواجهة العسكرية معها، فإسرائيل باتت تعتبر إيران «عدوها الأوّل والأخير»، وترى أنّها تمكّنت بتحالفها مع «حزب الله» من الوصول الى البحر الأبيض المتوسّط، وباتت تشكّل خطراً مباشراً على الأمن الإسرائيليّ. ولذلك، فإن تل أبيب، حسب قول السياسيّ المطّلع، تمارس ضغوطاً على ترامب ليؤمّن التغطية والدعم المطلوب للحرب التي تريد خوضها ضد إيران، و»حزب الله».
ولذلك، يؤكد هذا السياسيّ، أنّ هناك مناخاً يسود في المنطقة يَشي بصدام ستشهده، وجميع المعنيين به مباشرة أو مداورة داخل لبنان وخارجه، يستعملون ملف تأليف الحكومة اللبنانية الجديدة ويدفعون كلّ على طريقته ووفق مصالحه، في اتجاه أن تأتي هذه الحكومة داعمة له سياسياً، وفي الموقف المتصل بمستقبل الوضع في المنطقة. إنّها حكومة يقف تأليفها على حافّة صدام محتمل في الإقليم، علماً أنّ كثيرين يستبعدون حصول مثل هذا الصدام، معتقدين أنّ واشنطن وإسرائيل غير قادرتين في هذه المرحلة على خوض غماره لأسباب داخلية لديهما قبل الخارجية.