مرّ إقرار سلفة الـ50 مليون دولار لترحيل النفايات في مجلس الوزراء أمس مع اعتراض التيار الوطني الحر وتحفّظات خجولة من بعض الوزراء. مالٌ سيدفع لشركة «شينوك» من دون أن تكون الشركة قد حصلت حتى الآن على الموافقات المطلوبة. فضيحة جديدة من «معتقل سوكلين إلى معتقل الترحيل»، ومجلس الوزراء آخر من يعلم!
أقرّت الحكومة، أمس، سلفة 50 مليون دولار لمجلس الإنماء والإعمار، كجزء من كلفة ترحيل النفايات إلى الخارج على مدى 18 شهراً. التحفّظ كان سيّد الموقف، بعد أن التزم وزراء حزب الله وحركة أمل وحزب الكتائب عدم تسجيل الاعتراض، فيما اقتصر الاعتراض على وزيري التيار الوطني الحر، من دون أن يؤدي ذلك الى تعطيل البند لعدم توافر اعتراض من مكوّن آخر في الحكومة بحسب «آلية العمل» التي اتفق عليها الأطراف.
وأكّدت مصادر وزارية في التيار الوطني الحرّ لـ«الأخبار» أن «الاعتراض الجدي الوحيد جاء من قبلنا مع نية تعطيل القرار لو توافر مكوّن آخر رافض»، فيما قالت مصادر وزارية في فريق 8 آذار إن «الرئيس تمام سلام لمّح بوقف الجلسة في حال تم الاعتراض على البند».
إلى أين سترحّل النفايات؟ ما هي تفاصيل الصفقة؟ أين المشروع المستدام لمعالجة النفايات بالتوازي مع الترحيل المؤقّت؟ كلّها أسئلة لا أجوبة عنها عند الحكومة، اللهم إلا ما يعلمه الرئيس سلام والوزير أكرم شهيّب بصفته رئيساً للجنة الوزارية المكلّفة بمعالجة ملف النفايات.
وبسؤال بعض الوزراء أمس عمّا إذا كانت شركة «شينوك» التي حازت ثقة اللجنة الوزارية لترحيل النفايات قد حصلت فعلاً على المستندات المطلوبة للترحيل من دولة الوجهة أو لا، وهو الأمر الذي لا يزال يكتنفه الغموض باستثناء ما ذكر في الإعلام عن أن الوجهة هي روسيا، كانت لافتة الحماسة التي أبداها سلام وشهيّب وتأكيدهما أن «شينوك» قدّمت المستندات المطلوبة منها، علماً بأن أكثر من مصدر وزاري أكّد لـ«الأخبار» أن الشركة «لم تقدّم حتى الآن هذه المستندات»، خاصة أن الموعد الأخير لتقديمها كان يوم 6 شباط الفائت. وبحسب مصادر في مجلس الإنماء والإعمار، فإن المجلس لم يتسلّم حتى الآن الموافقات المطلوبة من دولة الوجهة. أكثر من ذلك، تقول مصادر أخرى إن جزءاً من المستندات وصل عبر الفاكس إلى المجلس من دون أن يحمل موافقة وزارة البيئة الروسية، المعنية الأولى باستقبال النفايات، عملاً باتفاقية «بازل» الدولية التي تلتزمها روسيا، فما كان من رئيس المجلس نبيل الجسر إلّا أن طلب من المعنيين إحضار نسخ أصلية. وبحسب المعلومات، فإن ممثلاً عن «شينوك» سافر إلى روسيا بداية الأسبوع، ولم يعد حتى الآن!
ويبدي وزراء خشيتهم من أن تكون الموافقات التي يجري الحديث عن الحصول عليها من روسيا مشابهة لما حصل مع سيراليون، حين أعربت «جهة ما» عن موافقتها على استقبال النفايات، قبل أن يتّضح أن الجهات المعنية لم تسمع بالأمر! ورغم أن حجّة شهيّب في عدم إعلان وجهة الترحيل وتفاصيل الصفقة كانت في الماضي الحفاظ على سريّة الوجهة حتى الحصول على الموافقات المطلوبة، فإن السؤال هو عن سبب استمرار سياسة التعتيم حتى على مجلس الوزراء نفسه؟
أما في ما يتعلق بتمويل الترحيل، فقد تأكد أنه سيكون من حساب الصندوق البلدي المستقل، حيث سيحسم بين 30 و60% من حصّة كل بلدية، على أن تكون بقية المبلغ ديوناً عليها، علماً بأن شهيّب أكد سابقاً أن الحسم لن يتعدّى 30%، وهو ما دفع الوزير الياس بو صعب الى القول: «تنقلوننا من فضيحة إلى أخرى»، فيما علّق الوزير جبران باسيل: «تخرجوننا من معتقل سوكلين، إلى معتقل الترحيل»!
التمويل من
الصندوق البلدي المستقل وسلام يتعهّد بعدم المساس بعائدات الخلوي
وفي المقابل، تعهّد سلام، ردّاً على سؤال لباسيل، بأن «عائدات الخلوي ستوزّع كاملة على البلديات من دون نقصان»، وبترك الحريّة للبلديات التي تملك حلّاً منطقياً ومطابقاً للبيئة بألا تكون جزءاً من صفقة الترحيل. ولدى سؤال باسيل: كيف تضمن الحكومة أن لا يتمّ الضغط أو «إرهاب» البلديات عبر عدم الموافقة على المشاريع التي تتقدّم بها لإجبارها على البقاء ضمن الصفقة؟ أكّد سلام «اننا وضعنا باريم للشركة لترحيل بين 1700 طن و2800 طن، حتى نعطي للبلديات الجدية الحرية لمعالجة الأمر بنفسها».
لكنّ سؤالاً آخر لم يجد إجابة عنه: ما هو مصير أكثر من 300 ألف طن مكدّسة في الشوارع؟ إذ تتضمن الصفقة ترحيل النفايات التي لم يتجاوز عمرها 45 يوماً. بمعنى آخر، سترحّل النفايات القابلة للفرز، وتترك النفايات غير القابلة للفرز والموزّعة في الشوارع وفي أكثر من 2000 مكب عشوائي، والتي لا حلّ لها إلّا بالطمر أو الحرق مع عدم وجود المحارق أو المطامر الصحيّة، علماً بأن شركة «نيوبكسر» عرضت ترحيل النفايات من دون اشتراط عمرها، ومن ضمنها النفايات «الذائبة»، مع توفير ما لا يقل عن مئة مليون دولار. لكن حجّة شهيّب وسلام في عدم الأخذ بعرضي «نيوبكسر» و«EKO Getlini» أنهما لا تملكان الخبرة، علماً بأن لا خبرة لـ»شينوك» في شحن النفايات أساساً.
أمّا السؤال الذي تتعدّد الإجابة عنه، فهو حول مصير النفايات المفرزة، ولمن سيعود بدل بيعها؟ علماً بأن سعر طن المواد المفرزة بحسب الخبراء وتقرير «بلان بلو» في 2013 يشير إلى أنه يفوق 500 دولار، أي ما يعادل مليار ومئتين وخمسين مليون دولار، للمليونين ونصف المليون طن التي تنوي الدولة بيعها. فشهيّب يؤكّد أن النفايات التي تفرز في معملي الكرنتينا والعمروسية ستبقى ملكاً للدولة وسيستفيد منها عدد من المصانع والمعامل التي تعمل على إعادة التدوير، فيما يقول الجسر إنه لا شيء في العقود يؤكّد ذلك، وتشير مصادر وزارية الى أن «شينوك» ستبيع المواد التي ترحّلها لتحويلها إلى طاقة، وبذلك تكون قد حصلت على كلفة الترحيل من الدولة وربحت بدل بيع النفايات.