Site icon IMLebanon

الحكومة إلى … الربيع !

 

لا رئيس الجمهورية ومعه «التيار الوطني الحر» في وارد القبول بإنقاص حصتهما الوزارية المشتركة عن 11 وزيراً، ولا الرئيس المكلف بصدد الخضوع أمام ما يسمّيها الكتلة النيابية المفتعلة والقبول بتوزير أحد أعضائها، ولا «سنّة 8 آذار» ومن خلفهم «حزب الله» بصدد النزول عن سقف مطالبتهم بإشراكهم في الحكومة إستجابة لمساحتهم الشعبية والتمثيلية التي توجِب ذلك.

 

بمعزل عن خلفية أيّ من اللاءات الثلاث وأسباب تمسّك كلّ طرف بـ»لائه»، فإنّ الشريحة الواسعة من اللبنانيين تجد صعوبة في تصديق انّ البلد ومصير أهله معلّقان على حقيبة وزارية، والأنكى من ذلك أنها في أحسن حالاتها «وزارة دولة»، وهو أمر يشكّل بالدرجة الاولى إدانة لطبّاخي الحكومة الاساسيين، ويحرّض على السؤال: من هو هذا الوزير الخارق لكي يُعطَّل البلد ويُطاح بالحكومة «كرمال عيونو»؟ وماذا سيقدّم هذا الوزير أو سيؤخّر؟ وهل «سيشيل الزير من البير» سواء أعطي لـ«سنّة 8 آذار» أو بقي ضمن حصة رئيس الجمهورية؟ أو بقي مع الرئيس المكلّف أو أخِذ منه؟

 

الأكيد هنا انّ الأفق مغلق بالكامل، لا يمكن الحديث عن حلّ طالما انّ رئيس الجمهورية يقفل باب إنقاص الحصة الرئاسية تحديداً، كما لا يمكن الحديث عن حلّ طالما انّ الرئيس المكلف يقفل كل الابواب التي يمكن أن يَلج منها «سنّة 8 آذار» الى الحكومة، ولا يمكن الحديث عن حلّ طالما انّ «سنّة 8 آذار» محميّون بـ الـ«فيتو» الذي يفرضه «حزب الله» على حكومة لا يكونون ممثلين فيها بواحد منهم حصراً.

 

هنا ينبري السؤال: هل ثمة إمكانية لحل وسط هذا الإقفال المُحكَم؟ وأيّ حلّ يمكن ان يخترق هذه اللاءات الثلاث؟ وهل ثمّة في الداخل من يملك القدرة على فرض مثل هذا الحل؟ وهل ثمّة في الخارج من هو مستعد للتدخل مباشرة والتوسّط بين الاطراف ورعاية حل مقبول يطلق عجلة الحكومة؟

 

كل الطاقم السياسي لا يملك جواباً، فقط تأكيد على انّ ارادة إيجاد هذا الحل، أو التراجع أو التنازل باتت منعدمة، يُضاف الى ذلك عودة الهمس في الصالونات السياسية بأنّ الداخل المعطّل ليس فقط بفِعل عامل داخلي، إنما بات مُستجيباً لعامل خارجي «مجهول الهوية» أوحى بتأخير ولادة الحكومة اللبنانية الى أن تحين الظروف الداخلية ولاقليمية والدولية الملائمة لهذه الولادة.

 

ولا يتردّد البعض في القول إنّ أطرافاً في الداخل دخلت في «لعبة صولد»، الرهان الأكبر فيها على تحجيم دور «حزب الله» وحضوره في الحكومة إن لم يكن إبعاده عنها!

 

واذا كان الطبّاخون الأساسيون للحكومة ينفون في العلن مثل هذا التوجّه، مع التأكيد على رفض سياسة العزل لأيّ طرف، وان ليس لدى أيّ طرف الرغبة او القدرة على سلوك هذا المنحى، إلّا انّ بعض هؤلاء الطبّاخين، ومن بينهم من سبق أن قال إنّ الاشارات الخارجية التي تلقّوها أكدت الدعم من بعيد وعدم وجود مبادرات خارجية، ونصحت هذه الإشارات بأنّ تشكيل الحكومة شأن اللبنانيين وحدهم، باتوا يقاربون هذه اللعبة بما يُشبه الجزم بأنّ صفّارة هذه اللعبة قد أطلقت من مكان ما، وصدى الصَّفير بلغَ «حزب الله» وحلفاءه.

 

وفي أوساط «الحزب» من يحذّر من لعبة خطيرة ورهان مُستجد عند البعض على مبادرات أميركية في المدى المنظور لإرهاق إيران وتحجيم دورها في المنطقة، وإضعاف «حزب الله» في لبنان.

 

وبمعزل عن النفي او الجزم فإنّ هذه اللعبة، إذا صَحّت، فمعنى ذلك أنّ البلد على وشك الدخول في كباش سياسي خطير، يصبح اللعب فيه تحت الزنّار مباشرة. أمّا نتيجته الحتمية فهي وَضع البلد على حافّة احتمالات خطيرة. على ما تذهب إليه بعض القراءات السياسية، التي صارت تقارب تأليف الحكومة في هذه الاجواء المسدودة كفِعلٍ صار من الماضي البعيد.

 

إذاً، العامل الخارجي موجود حتى يثبت العكس، وإثبات هذا العكس بات مطلباً مُلحّاً لدى كل فئات الناس، علماً انه محصور فقط بالمتصارعين الثلاثة على «وزير». ولكن كيف سيتم هذا الاثبات طالما انّ أيّاً من هؤلاء ليس في وارد المبادرة الى ذلك، ويرفض التضحية والتخلّي عن هذا «الوزير الثمين»؟ في هذه الحالة تتعزّز فرضية وجود العامل الخارجي.

 

حتى الأمس القريب، لم يكن رئيس المجلس النيابي نبيه بري في صَف القائلين بوجود عامل خارجي مُعطّل للحكومة، بل أصَرّ على أنّ عقدة التأليف داخلية بامتياز ولا دور لرابط لها من الخارج. على انّ الأهَمّ في تشخيصه لأزمة التأليف هو وضع إصبعه على جرح التعطيل بقوله: «مع الأسف، المشكلة صارت مشكلة مزايدات ومكايدات. هذا ينتظر ذاك، وذاك ينتظر ذاك. كل واحد ينتظر الآخر ليتنازل، هذه هي الصورة، كلهم ينتظرون أن يتراجع هذا قبل ذاك في الداخل والخارج، وما من شك في هذه الحالة انّ الصمت يبقى سيّد الكلام».

 

يبدو انّ بري راهَن على الخلوة التي جمعته مع رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف في القصر الجمهوري قبل تَلقّيهم التهاني بعيد الاستقلال، لعلّ هذه الخلوة تؤسّس لمخرج جدّي للعقدة الحكومية القائمة، الّا أنها انتهت الى انّ الرئيسين تشارَكا الرغبة في العمل والسعي الى العثور على حل للأزمة المستعصية.

 

ربما أراد بري ان يسمع من شريكَي التأليف ما يطمئن الى انّ الأمور يمكن ان تصبح سالكة على الخط الحكومي، لكنه كان متحدثاً معظم الوقت في خلوة الدقائق العشر، فأعاد استعراض الوضع الحكومي وتعقيداته، وما يرخيه ذلك من أضرار وسلبيات على الواقع اللبناني، وعَرّجَ على الوضع الاقتصادي وظروفه الصعبة والمخاطر التي تتهدّد، إضافة الى الاقتصاد بشكل عام، الوضع النقدي والاجتماعي والمعيشي وكل مفاصل الدولة وكل ما يتصل بحياة الناس ومصالحهم.

 

«المطلوب في هذا الوضع، أن تسمع صرخات الناس التي تتعالى يوماً بعد يوم، فالوضع لم يعد يُحتمل، ولم يعد من الجائز الاختباء خلف الاصبع او دفن الرؤوس في الرمال. يجب ان نعترف انّ البلد على شفير أن يتداعى إذا استمر الحال على ما هو عليه».

 

كلام بري هذا سبق تأكيده أمام الرئيسين بأنّ «الأوان آن لتشكيل الحكومة، وكل تأخير إضافي يُدفّع البلد مزيداً من الأكلاف والاضرار التي قد يصل معها الى لحظة لا يعود في مقدوره احتواءها او لَملمة سلبياتها. ولذلك، وزير بالزايد أو وزير بالناقص، أعتقد انه ليس مهماً على الاطلاق، يا إخوان البلد في وضع صعب».

 

كلام بري هذا، والذي أوحى فيه بأنّ الجَو جامد حكوميّاً ، ولا حلول آنية في متناول اليد، لا بل انّ أفق الحلول مُغلق بالكامل، ما يعني ان الحكومة «مطوّلة»، لاقاه مرجع سياسي بقوله: « كانت الحكومة في اليد، فصارت على الشجرة، والآن دخلنا في شهر الأعياد، وهو كما هو معلوم شهر ميّت سياسيا، فدعونا ننتظر الى آخر السنة… وبعد آخر السنة بنحكي … وعليكم خير.

 

فهذا الصراع، يضيف المرجع، والمُحتدم على حقيبة وزارية وكأنها كنز ثمين، ليتبوّأها «وزير خارق»، أطفأ باعتراف أطرافه الأمل في بناء الهيكل الحكومي المطلوب، وأسّس الى ترحيل الحكومة مسافات الى الأمام، أقلّه الى آخر السنة، حتى لا أقول بأنّ الصورة التشاؤميّة القائمة حالياً تدفع إلى الإفتراض أنّ الحكومة رُحِّلت أشهراً وإلى ما بعد آخر السنة، وصولا حتى الربيع المقبل إن لم يكن أبعد من ذلك..