IMLebanon

الحكومة التي عرّت سعد الحريري

كل الحكومة في كفة، وإسناد وزارتي العدل والدفاع إلى سليم جريصاتي ويعقوب الصراف في كفة أخرى. الأمر أشبه بإعلان سعد الحريري استسلامه الكامل وتكليفه حزب الله تشكيل حكومة من أوفى الأوفياء له

ماذا سيفعل سعد الحريري حين يجتمع مع وزير عدله لصياغة البند المتعلق بالمحكمة الدولية في البيان الوزاريّ؟ وماذا سيفعل عندما يجتمع مع وزير دفاعه لصياغة البند المتعلق بسلاح حزب الله؟ والأهم، ماذا سيفعل هو وفريقه حين يطلب سليم جريصاتي الكلام في مجلس الوزراء؟ يمكن أن تمر ساعة أو ساعتان قبل أن «يقلع» جريصاتي في مداخلته. الأمر لا يتعلق هذه المرة باستعراضه الدائم لقدرته على تسميع أسماء الله الحسنى قبل كل كلمة، بل بمضمون ما يقوله من اتكل عليه حزب الله يوماً للرد من مجلس النواب على القرار الاتهامي للمحكمة الدولية. وجود أشرف ريفي في حكومة واحدة مع وزراء حزب الله مثّل مفارقة. أما وجود الصراف وجريصاتي فيمثل صدمة. الأخير هو أكثر القضاة اللبنانيين تشكيكاً في عمل المحكمة الدولية. وتسميته وزيراً للعدل تشير إلى انعطافة مرتقبة في ملف الفتنة الذي يتحمل اللبنانيون نفقاته المالية والتحريضية.

وفي هذا السياق، يمكن القول إن الحريرية السياسية تعرضت لأولى الضربات الكبيرة حين سحبت منها وزارة المال إلى غير رجعة قبل بضع سنوات. وثانيتها كان اضطرارها إلى انتخاب العماد ميشال عون رئيساً. وثالثتها كانت تحجيم التمثيل الوزاري المستقبلي على نحو غير مسبوق. فالحريري كان يحصل على كامل الوزارات المخصصة للطائفة السنية ونصف الوزارات المخصصة للطوائف المسيحية، فيما يضطر اليوم إلى مقايضة الكرسي الوزاري المسيحي بكرسي سنيّ. أما رابعة الضربات الموجعة، فهي توزير جريصاتي والصراف. صحيح أنهما عونيان، لكنهما صديقان لحزب الله أولاً. وأهمية حقيبتيهما تكمن في علاقتهما المباشرة بملفين أساسيين بالنسبة إلى تيار المستقبل، هما المحكمة الدولية وسلاح حزب الله. ويمكن تخيل وزيري العدل والدفاع يردان، بطريقة علمية وقانونية، على رئيس حكومتهم حين تسول له نفسه الحديث في أمور لا يفقهها تتعلق بعمل وزارتيهما، أو حين يحاول إلزامهما بما يتنافى مع القوانين التي يفترض أن تستعيد هيبتها من براثن المحكمة الدولية. علماً أن طيف الصراف كان حاضراً في مجلس الوزراء منذ تقديمه استقالته تضامناً مع وزراء حزب الله وحركة أمل عام 2006. فهو كان يدرس جدول أعمال الجلسات الوزارية جنباً إلى جنب وزراء تكتل التغيير والإصلاح ويساعد في التحضير للجلسات. ولذلك ينتظر أن تبوء كل محاولات الحريري لإمرار بند مخالف من هنا أو هناك بالفشل. فالصراف وجريصاتي يترصدان محاولات كهذه.

ولا بد من التذكير بانطلاقة الاثنين في الحياة السياسية من منزل الرئيس إميل لحود. وتكفي المقارنة بينهما وبين غيرهما لاكتشاف الفرق بين تعامل تيار المستقبل مع أزلامه وتعامل حزب الله مع أصدقائه. فالصراف الذي يحمل الجنسية الفرنسية أيضاً، وطد علاقته بالحزب منذ عمله محافظاً لبيروت. ورغم «عجقة» الأصدقاء الجدد، حافظ حزب الله على «معزة» خاصة للصراف. وما كادت تسنح له الفرصة لرد جميل الصراف حتى استغلها، فيما يضرب المستقبل عرض الحائط بكل تضحيات أصدقائه في سبيله من الياس المر إلى مي شدياق.

في السياسة يجب التوقف في التشكيلة الحكومية عند المنسق العام السابق للتيار الوطني الحر بيار رفول. فوزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية هو مسؤول التواصل بين العماد عون والقيادة السورية، وهو تدرج في الحياة الحزبية من ناشط في حركة التنظيم مطلع الحرب الأهلية، إلى دينامو أساسي في صناعة الحالة العونية في قصر بعبدا عام 1989، إلى مؤرخ عونيّ للأحداث، فمنفي في أوستراليا، قبل أن تثقل كاهله مهمة تنظيم الحزب العوني بعد 2005 وتبوء كل محاولاته بالفشل بحكم اقتناعه بأن الحركة العونية حالة شعبية لا يمكن تقييدها في حزب. ولا شك في أن رفول يقف إلى جانب يوسف فنيانوس وجريصاتي والصراف ــــ وربما يتقدمهم ــــ في الوقوف في خانة أصدقاء حزب الله في هذه الحكومة.

واستكمالاً للمشهد، يمكن الى هذا كله تخيل الخارجية في يد جبران باسيل والمالية في يد علي حسن خليل وملف النفط في يد سيزار أبي خليل، فيما يتقوقع المستقبل فوق وزارات الداخلية والاتصالات وشؤون المرأة. ولا شك في أن الفارق سيكون كبيراً بين فريق 8 آذار المتمرس في العمل الوزاري والسياسي، والفريق الحريريّ الذي كان يتكل على الأمين العام لمجلس الوزراء السابق سهيل بوجي لتسيير أموره. ولا يفتقد الحريري، بالتالي، التمثيل الوزاري الوازن عددياً، بل الوازن سياسياً وقانونياً وإدارياً.

الى ذلك، بدا واضحاً أن من طرّز حكومة الانتخابات، عونياً، حرص على التوزع المناطقي للوزراء ليشمل الأقضية التي عجز التيار في استحقاقات سابقة عن الفوز بأي من مقاعدها النيابية. علماً بأن وزارة كوزارة الدفاع التي تؤثر في كل بيت عكاري يمكن أن تحول الصراف إلى زعيم حقيقيّ في عكار. في المقابل، اختار الحريري «من حواضر البيت المستقبلي» جمال الجراح رغم مدّ الوزير عبد الرحيم مراد يديه الاثنتين إليه، ومعين المرعبي ومحمد كبارة اللذين مثّلا رأس حربة الهجوم على الرئيس حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، رغم وقوف الأخير إلى جانب الحريري حين احتاجه في الانتخابات البلدية الأخيرة. وبدل أن يتحسب لما ينتظره في الانتخابات النيابية المقبلة، سمى جان أوغاسبيان وغطاس الخوري اللذين لا يقدمان أو يؤخران في أي دائرة إنتخابية أو سياسية.

من طبخ حكومة العهد الأولى حرص على تعرية سعد الحريري بالكامل وسحب كل الملفات من يده. وهو حين تلتئم حكومته سيرى وجوهاً ما كان ليتخيلها في أسوأ كوابيسه تحدق به من كل جهة.