يبدو أنّ الحكومة اللبنانية ستُناقش ما عرضه وزير الخارجية الإيراني محمّد جواد ظريف على لبنان، من استعداد بلاده لتقديم المساعدات اليه في مختلف المجالات. ويدخل ضمن هذا الإستعداد ليس فقط تأمين الكهرباء للبنان 24 على 24 ساعة، والمساهمة في كلّ ما يطلبه على الصعيد الإقتصادي، إنّما أيضاً تزويد الجيش اللبناني بمنظومة الصواريخ التي يحتاجها لمواجهة إسرائيل والإرهاب. ولكن دون أن تؤدّي هذه المساعدة، على ما طمأن ظريف، خلال المؤتمر الصحافي الذي جمعه بنظيره اللبناني وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل، وذلك بعد اجتماعه بكلّ من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، ورئيس مجلس النوّاب نبيه برّي، الى أقحام لبنان في أي مشكلة مع المجتمع الدولي، أو التسبّب بأي إحراج له.
فمصلحة لبنان أولاً ستضعها الحكومة اللبنانية نصب عينيها، لدى مناقشة أي مساعدة خارجية للبنان، أجاءت من إيران أو سواها، على ما أكّدت أوساط ديبلوماسية في بيروت، وهذا الأمر يُشدّد عليه الجانب الإيراني أيضاً. علماً أنّ العقوبات الأميركية المفروضة على إيران منذ نحو 40 عاماً، لا تعني أنّها تُلزم المجتمع الدولي بها، ولا تؤثّر بالتالي على أي دولة متعاملة معها كونها عقوبات محضّ أميركية وليست دولية. وخير دليل هو الدول الأوروبية التي لا تزال تقيم علاقات إقتصادية مع إيران، من دون أن تتعرّض لأي عقوبات من قبل الولايات المتحدة الأميركية.
وبناء عليه، فإنّ الحكومة ستدرس حجم المساعدات الإيرانية ومصلحة لبنان من تلقّيها من طهران، ما دامت «غير مشروطة» على ما شدّد الضيف الإيراني، وتبحث عن الآلية التي تجدها مناسبة لقبولها من دون تعريض لبنان لأي عقوبة خارجية، أو لأي ضغط أميركي أو حتى مساءلة داخلية. فحكومة «الى العمل»، وإن كانت أقرّت سياسة «النأي بالنفس»، على ما لفتت الاوساط، إلاّ أنّه لا يُمكنها أن تنأى بنفسها عن المساعدات التي تعرضها عليها دول أخرى غير الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية، مثل إيران وروسيا.
كما أشارت الاوساط، الى أنّه ليس من قانون دولي يمنع لبنان من قبول الهبات من دولة أخرى تربطه بها علاقات ديبلوماسية وسياسية طبيعية، فكيف إذا كانت هذه الدولة إيران التي تربطها بلبنان علاقات جيّدة جدّاً، وإن كان فريق سياسي في لبنان يُعارض قبول المساعدات منها خوفاً من أن تفرض رأيها السياسي على لبنان، أو تُقوّي حزب الله في الداخل على المكوّنات السياسية الأخرى. فسياسة المحاور التي يخشى هذا الفريق إقحام لبنان فيها، تتمّ من وجهة نظره، إذا وافقت الحكومة على قبول المساعدات من إيران أو روسيا فقط، فيما يبقى بلداً بعيداً عنها ما دام يتلقّى المساعدات للجيش اللبناني من الولايات المتحدة بقيمة نحو 150 مليون دولار سنويّاً.
وفي رأي الاوساط، بأنّ الولايات المتحدة من خلال فرض العقوبات على الدول المتعاملة مع إيران، إنّما تخرق القرار الدولي 2231 الصادر عن مجلس الأمن الدولي في 20 تمّوز 2015، الذي أيّد خطة العمل الشاملة المشتركة التي أبرمتها كلّ من روسيا وألمانيا والصين وبريطانيا والولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي وإيران في 14 تمّوز من العام نفسه. كما أكّد مجلس الأمن على أنّ إبرام خطة العمل هذه، يُشكّل منعطفاً رئيسياً على مسار نظره في المسألة النووية الإيرانية، معرباً عن إقامة علاقة جديدة مع إيران معزّزة بتنفيذ خطّة العمل، وفي اختتام نظره في هذه المسألة بصورة مُرضية. كما شدّد على أنّ خطّة العمل تفضي الى تشجيع وتيسير إقامة علاقات وأواصر تعاون طبيعية مع إيران في المجالين الإقتصادي والتجاري.
ومن هنا، فإنّ دولاً خارجية عدّة تتعامل مع إيران سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، ولا تتعرّض لأي عقوبة أميركية كانت أو دولية. ولهذا فإنّ الحكومة ستحاول الإنفتاح على المساعدات الخارجية للبنان بما يؤمّن مصلحته، على ما ذكرت الأوساط نفسها، لا سيما في المجالات التي يحتاج الى هبات بشأنها. أمّا إذا كان عرض المساعدات من قبل إيران سيتسبّب باي إحراج للبنان، فإنّ إيران ستعرض عنه، على ما سبق أن فعلت في فترة سابقة عندما عرضت على الحكومة اللبنانية تقديم مساعدات عسكرية للجيش اللبناني، وقالت بأنّها «جاهزة في المخازن»، ولم تلمس أي تجاوب لبناني بقبولها.
ويبدو أنّ المواقف تبدّلت قليلاً اليوم، على ما لمس الجانب الإيراني، ما قد يُشجّعه، على ما أضافت الاوساط، الى المضي في الدخول في تفاصيل الأمور التي يحتاجها لبنان، إن على صعيد تأمين الكهرباء أو التعاون التجاري والإقتصادي، أو حتى تقديم الأسلحة المتطوّرة للجيش اللبناني. علماً بأنّ بحث هذه المساعدات في مجلس الوزراء لا سيما بعد نيل الحكومة الثقة سيكون موضوعاً حسّاساً لا سيما بالنسبة لفريق 14 آذار الذي قد لا يُوافق على أن تحلّ إيران، على سبيل المثال، مشكلة الكهرباء في لبنان أو أي ملف مستعصٍ آخر. فيما يرى الفريق الآخر، وعلى رأسه الرئيسين عون وبرّي، وحزب الله بطبيعة الحال، أنّه بإمكان لبنان الاستعانة ببعض الشركات الإيرانية الخبيرة في مجالي النفط والغاز. فإيران تعتبر واحدة من أكبر دول العالم من حيث حجم احتياطات الطاقة، كما تلعب الصناعة النفطية دوراً مهمّاً في ذلك. كما أنّها توفّر حالياً نحو 5 في المئة من النفط المستهلك في العالم رغم فرض العقوبات الأميركية عليها وفرض الحصار عليها في فترات سابقة. وفي الوقت نفسه، تجد الاوساط، بأنّ رئيس الحكومة سعد الحريري قد بدا منفتحاً أيضاً خلال استقبال ظريف، ما يوحي بأنّ التعاطي مع المساعدات التي تنوي بلاده تقديمها سيكون مختلفاً هذه المرّة.
وكان الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله، قد مهّد لما حمله ظريف في جعبته خلال زيارته الرسمية الى بيروت، وعرضه على المسؤولين اللبنانيين عن نيّة إيران تقديم المساعدات بمختلف المجالات وفق ما ترتأيه الحكومة الجديدة، غير أنّه لم يحصل على إجابات من أي مكوّن سياسي نظراً لأنّ الحكومة لم تنل الثقة بعد في مجلس النوّاب. علماً أنّ إيران ستدرس بعد ذلك مطالب الحكومة اللبنانية، في حال أقدمت على تقديمها الى الجانب الإيراني، بما فيها الإحتياجات أو الخطط التجارية والإقتصادية وحتى المساعدات العسكرية التي تحتاجها. ولهذا على لبنان طلب المساعدات العسكرية المتطوّرة للجيش لمواجهة إسرائيل، وإن كانت الولايات المتحدة تعترض على ذلك، سيما وأنّ ذلك يصبّ في مصلحة حماية سيادته واستقلاله من أي إعتداءات إسرائيلية عليه.
ولأنّ حكومة «الى العمل» قد قرّرت في بيانها الوزاري الإنفتاح سيما وأنّها تعتمد سياسة خارجية مستقلّة، فضلاً عن تشجيع الإستثمار العام وتحديث القطاع العام والقيام بإصلاحات تتعلّق بالنفط والغاز والمياه والصرف الصحي والإتصالات والنقل وتحقيق أهداف التنمية المستدامة وغير ذلك، فسيكون عليها، دراسة كلّ ما يُعرض عليها من مساعدات خارجية، وإن جاءت من إيران التي تفرض عليها الولايات المتحدّة وعلى حلفائها، عقوبات مشدّدة.