من المؤشرات المهمة لإقرار مشروع الموازنة في مجلس الوزراء، بأنه بإمكان اللبنانيين مهما اختلفوا الاتفاق في ما بينهم على المسائل والقضايا التي تضر الجميع
لا شك ان نجاح الحكومة في استكمال دراسة وانجاز مشروع موازنة العام 2019، بالرغم من التعقيدات والصعوبات الداخلية والخارجية التي يواجهها لبنان والتباين بالطروحات الاقتصادية بين اكثر من طرف مشارك بالسلطة، يحمل في طياته دلائل ومؤشرات مهمة، اولها، تجاوز مرحلة التشكيل وعدم القدرة على انجاز موازنة تقشفية، ترتكز على تخفيض العجز بهذه النسبة وتتضمن سلسلة اصلاحات في مؤسسات الدولة واداراتها وتخفض تكلفة ومصاريف لا طائل منها وتؤسس لمكافحة الفساد المستشري في العديد من الدوائر المهمة، وثانيها، اعطاء اشارة مهمة للمجتمع الدولي بأن الحكومة ملتزمة بالوعود التي قطعتها الحكومة السابقة وخلال المؤتمرات التي عقدت في اكثر من عاصمة اوروبية وفي مقدمتها مؤتمر «سيدر» القيام بكل الخطوات والاجراءات الهادفة لتحقيق الاصلاحات وتخفيض كلفة القطاع العام ولا سيما المؤسسات التي تتسبب بهذا العجز الكبير وخصوصاً الكهرباء، وثالثها، قطع الطريق على كل ما يقال ويروج له بأن لبنان على طريق الانهيار المالي والاقتصادي إسوة بدول اخرى كاليونان مثلاً بسبب التأخر في القيام بالخطوات والاجراءات اللازمة لمعالجة الاوضاع المالية والاقتصادية التي شهدت تراجعاً ملحوظاً جراء سوء الاداء السلطوي وانجرار بعض الاطراف كحزب الله وحلفائه الى الصراعات والحروب المذهبية واستعداء الدول العربية الشقيقة وغيرها من الظروف غير المؤاتية التي مرَّ بها لبنان خلال السنوات الماضية ومعاناته جراء الازمة السورية وتدفق النازحين السوريين الى اراضيه.
ومن المؤشرات المهمة لاقرار مشروع الموازنة في مجلس الوزراء، بأنه بامكان اللبنانيين مهما اختلفوا في ما بينهم وتعددت وجهات النظر والطروحات لكل طرف، الاتفاق في ما بينهم على المسائل والقضايا التي تضر الجميع ومنها مثلاً الوضع الاقتصادي والمالي الذي بات يهدد كل اللبنانيين. وبالرغم من كل الخلافات والحملات التي شنت قبل مناقشة مشروع الموازنة وخلالها، تمكن الجميع في النهاية من التفاهم على قواسم مشتركة والتقوا على ضرورة انجاز مشروع الموازنة، لأن البديل سيؤدي الى انفراط العقد والحاق الضرر والأذى بكل اللبنانيين ولن يسلم اي طرف او فئة في لبنان من مخاطر تدهور الوضع الاقتصادي والمالي في حال حصوله.
لذلك، يلاحظ بوضوح ايضاً تجاوز مجلس الوزراء استناداً للتفاهم الحاصل بين كل الاطراف المشاركين بالسلطة، كل الاعتراضات والاحتجاجات التي قام بها معظم موظفي الدولة على إختلافهم، لقطع الطريق على استكمال الحكومة دراسة واقرار مشروع الموازنة، وهذا يحصل لأول مرة في لبنان، لانه لو كان هناك اي طرف سياسي فاعل او مؤثر يدعم مثل هذه التحركات او يتعاطف معها علانية او سراً، لما استطاعت الحكومة الامعان في مهمتها لاقرار المشروع ولتراجعت عنه في منتصف الطريق، كما حصل في امور ومسائل اخرى.
وستكون اولى نتائج اقرار مشروع موازنة العام الجاري في مجلس الوزراء كخطوة اولى، تليها الخطوة الاهم الثانية وهي دراسة واقرار المشروع نهائياً بالمجلس النيابي، هي خلق اجواء ثقة مشجعة واعطاء عوامل دفع ايجابية للاوضاع المالية والاقتصادية الداخلية والتي ستؤدي حتماً الى اعادة تحريك الدورة الاقتصادية المتباطئة نحو الافضل في المرحلة المقبلة، في حين ستكون باقي النتائج المهمة وفي مقدمتها، اعادة ثقة الخارج بلبنان من جديد بعد مرحلة من الشكوك التي أدت الى تقليص تصنيف لبنان في المؤسسات المالية الخارجية.
والنتيجة المهمة ايضاً، هي ازالة كل التحفظات والاسباب التي تذرعت بها الدول المانحة للبنانا للايفاء بالتزاماتها وترجمة قرارات مؤتمر «سيدر» عملياً من خلال المباشرة عملياً بسلة المشاريع التي وعدت بها في اطار عملية النهوض العامة في المرحلة السابقة، لا سيما وأن العديد من هذه المشاريع قد اشبعت درساً في الاشهر القليلة الماضية مع المؤسسات والجهات المعنية بلبنان والخارج وباتت امكانية المباشرة بالتنفيذ ممكنة. وهذا سيرخي بأجواء مريحة ومؤاتية ويعطي دفعاًً مساعداً وايجابياً بالداخل اللبناني ايضاً.
وفي الخلاصة، يمكن القول انه باقرار مشروع الموازنة نهائياً، ان الحكومة قد اجتازت قطوعاً مهماً في هذه المرحلة الصعبة محلياً، وقد تؤسس للانطلاق نحو مقاربة قضايا مسائل اخرى تهم الناس ومعيشتهم، في حال انسحب التفاهم القائم عليها واذا اتاحت الظروف الاقليمية الساخنة الخوض فيها ولم تقف عائقاً امامها في حال تفاعلت نحو الأسوأ.