IMLebanon

الحكومة في مأزق و«الحاكمية» بلا «حاكم»… «الثنائي» يخشى «الأخطر»

 

 

يحبس اللبنانيون الأنفاس في انتظار ما ستفضي إليه مشاورات ربع الساعة الأخير في شأن استحقاق حاكمية مصرف لبنان الذي يقِف على مفترق طرق خطيرة، قد تضع البلد برمته على فوّهة انفجار اجتماعي وأمني لا تُحمد عقباه وفوضى أمنية لا تُبقي ولا تذَر، في ظل دولة تعمل بالوكالة وتغرق مؤسساتها وأجهزتها الادارية والأمنية والعسكرية في فراغ يبدو أنّه مديد.

أوكلت السلطة السياسية على مدى العقود الثلاثة الماضية شؤون «النقد والمال» وتفرّغت لمحافل السياسة مطمئِنّة البال ومؤّتمنة الجانب إلى سلامة النقد الوطني في أيدي «أمينها» رياض سلامة، ومقولة «الليرة بخير» كانت كلمة السرّ للدلالة إلى استقرار الأوضاع المالية والاقتصادية في البلد و«السنّارة» لاصطياد رؤوس الأموال والاستثمارات الخارجية لضمان استمرار مصرف لبنان في تمويل الدولة وتأخير الإنهيار وإعلان الإفلاس حتى جاءت أحداث 17 تشرين لتكشف المستور…

اليوم وصل الجميع إلى «يوم الحشر»، مع تزامن نهاية ولاية الحاكم الحالي وفراغ في رئاسة الجمهورية وحكومة تصريف أعمال مطعون بدستوريتها وشرعيتها وميثاقيتها لدى غالبية الأطراف المسيحية، فلا تستطيع التعيين ولا التمديد ولا حتى اتخاذ قرارات في حجم إصلاحات مالية ونقدية واقتصادية، بسبب غياب التوافق الوطني والسياسي على انعقاد مجلس الوزراء وعلى مبدأ التعيين في حكومة تصريف أعمال فاقدة للشرعية، فضلاً عن غياب التوافق على اسم لحاكم جديد، بالتوازي مع رفض رئيس مجلس النواب نبيه بري تسلّم النائب الأول للحاكم وسيم منصوري صلاحيات الحاكم، لأنّ «الثنائي الشيعي» يستشعر خطر مشروع سياسي جديد يستخدم سلاح «الدولار» للتلاعب بالعملة الوطنية وإفلات سعر صرف الدولار من أي رادع، ثم تحميل «الفريق الشيعي» مسؤولية الانفجار الاجتماعي والأمني الذي يجري التخطيط له وفق ما تحذّر أوساط «الثنائي»، كون الأخير يحوز على ثلاثة مواقع أساسية في رسم السياسة النقدية والمالية: وهي وزارة المال وصلاحيات الحاكم بعد 31 تموز (النائب الأول للحاكم)، والمدّعي العام المالي القاضي علي إبراهيم، ما يعني عملياً رمي كرة النار وشرارة الانفجار بين يدي فريق «الثنائي»، ويبدأ حينها الإستثمار السياسي والضغط على «حزب الله» وحركة «أمل» ووضعهما أمام خيارين احلاهما مرّ: إما تحمّل مسؤولية الغضب الشعبي العام والبيئة الحاضنة للمقاومة والشارع الشيعي خصوصاً والتظاهرات في الشارع، وإما التراجع والتنازل عن شروطه الرئاسية وبالدرجة الأولى عن ترشيح سليمان فرنجية وفتح بازار التفاوض معه على مرشح ثالث أي قائد الجيش العماد جوزف عون.

 

مصدر سياسي ومالي قريب من مرجعية رئاسية يشير لـ«الجمهورية»، الى أنّ «نواب الحاكم طلبوا من رئيس الحكومة في الاجتماعات الأخيرة تشريع السياسة النقدية التي اتبعها رياض سلامة، وإلاّ لن يعملوا من دون مظلّة قانونية نيابية وحكومية، لاعتبارهم أنّ سياسة سلامة منذ 2019 كانت مخالفة للقوانين ولا تملك تغطية حكومية ونيابية، ولن يعرّضوا أنفسهم للملاحقة القانونية على غرار ما يتعرّض له سلامة منذ عام.

 

في ضوء هذه المعطيات: «هلا بالخميس» الذي يشهد على جلسة حاسمة لمجلس الوزراء يشوبها الغموض وتحتمل الخيارات التالية:

 

ـ تعيين حاكم جديد وهذا مستبعد بسبب صعوبة تأمين نصاب الثلثين المطلوب لانعقاد مجلس الوزراء، فضلاً عن غياب التوافق السياسي حتى الساعة على اسم الحاكم الذي يحتاج أيضاً إلى تصويت ثلثي مجلس الوزراء كونه من الفئة الأولى، علماً أنّ مشاورات تجري بعيداً من الأضواء بين السرايا الحكومي وعين التينة من جهة و«القوات اللبنانية» والبطريرك الراعي من جهة ثانية يشارك فيها «حزب الله» الذي يتواصل وينسّق مع «التيار الوطني الحر» بهذا الملف.

 

– التمديد لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وهذا مستبعد أيضاً ولو أنّ الأخير ليس في وارد التعفف، لأنّ التمديد يمنحه مزيداً من الحصانة الداخلية بالحدّ الأدنى وحصانة خارجية أيضاً، ولو أنّ مراجع سياسية تتمنى ذلك في قرارة نفسها، لكن لا أحد يحملها لا سياسياً ولا شعبياً ولا حتى خارجياً، في ظل المعارضة الأوروبية والتردّد والغموض الأميركي، فضلاً عن أنّ الموفد الفرنسي لودريان قطع الطريق على هذا الخيار فور وصوله الى بيروت، بإبلاغ بري وميقاتي معارضته التجديد في ظلّ الملاحقات القضائية لسلامة في الداخل والخارج، وأي تجديد سيعرّض لبنان لخطر العزل ووقف التعاملات مع المصارف الأوروبية.

 

– عدم انعقاد الجلسة بسبب عدم توافر نصاب الثلثين ما يدفع رئيس الحكومة لتأجيلها الى الاثنين المقبل لمزيد من التشاور مع الوزراء وتأمين النصاب.

 

– تعيين حاكم جديد ضمن اتفاق مع «القوات اللبنانية» والبطريرك الراعي أو مع «التيار الوطني الحر»، ويجري الحديث عن أسماء مثل كميل أبو سليمان وسمير عساف، لكن دون ذلك صعوبات كون «التيار» لا يستطيع أمام شارعه إسقاط شعاره «لا للتعيين في ظلّ الفراغ» ويمنح منافسه «القوات» فرصة للمزايدة في الساحة المسيحية، وأيضاً «القوات» تتحاشى اتهامها من التيار بأنّها تؤمّن التغطية المسيحية لإجراء التعيينات وتسيير الدولة في شكلٍ طبيعي بغياب رئيس الجمهورية.

 

– العدول عن فكرة التعيين والتمديد وإقرار إجراءات حكومية وإقرار قانون في مجلس النواب لتشريع الإقراض من مصرف لبنان لتمويل الدولة وتشغيل صيرفة بقيمة 200 مليون دولار شهرياً، ويعتبرها نواب الحاكم ضمانات قانونية وتشريعية وسياسية للاستمرار في عملهم كتصريف أعمال ضمن سقف السياسات السابقة… لكن هذا الخيار أيضاً دونه عقبات دستورية وقانونية، إذ تردّد أنّ مجلس شورى الدولة رفض طلب الحكومة إمكانية الاستقراض من الاحتياطي الإلزامي في مصرف لبنان.

 

وفي هذه الحال، هناك خياران أمام نواب الحاكم: العزوف عن الإستقالة والاكتفاء بضمانات الحكومة التي تُبرِئ ذمّتهم المعنوية ويذهبون الى تحمّل المسؤولية مع بعض التعديلات في «منصّة صيرفة» والتدخّل في سوق القطع. والثاني: تقديم الاستقالة ولا تقبلها الحكومة ويبقون في موقع تصريف الأعمال ويعلنون عدم قدرتهم على الاستمرار في السياسة النقدية السابقة غير القانونية، ويبدأ سيناريو انفلات سعر الصرف مع وقف صيرفة تدريجياً وصولاً الى التحرّكات الاجتماعية في الشارع والفوضى الأمنية التي ستتزامن مع جملة قرارات خارجية متفجّرة، أهمها قرار البرلمان الأوروبي في شأن النازحين السوريين، وبيان لقاء الخماسية الدولية وتحذير وزير المهجرين من خلايا متطرّفة وإرهابية في مخيمات النازحين تنتظر ساعة الصفر للتحرّك أمنياً، وتزامناً أيضاً مع استمرار مأزق الفراغ في سدّة الرئاسة الأولى والذي يلف المواقع الأساسية، ولا سيما منها الأمنية وعلى مسافة أشهر قليلة من نهاية ولاية قائد الجيش في ظلّ فراغ في المجلس العسكري وصعوبة تعيين رئيس أركان وقائد للجيش في ضوء الخلافات السياسية والدستورية.