IMLebanon

تغريدة السبهان ليست لغزاً: فترة السماح إنتهت وعلى لبنان أن يختار

تغريدة السبهان ليست لغزاً: فترة السماح إنتهت وعلى لبنان أن يختار

القرار الأميركي – الخليجي لتحجيم حزب الله على طاولة التنفيذ.. وحذار الخطأ!

لبنان الرسمي وأطيافه السياسية يحاولان فك أحجية تغريدة وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج العربي ثامر السبهان التي قال فيها إن «ما يفعله حزب الشيطان من جرائم لا إنسانية في أمتنا سوف تنعكس آثاره على لبنان حتماً، ويجب على اللبنانيين الاختيار معه أو ضده. دماء العرب غالية». الإتجاه الأكثر منطقاً أن تغريدة الوزير السعودي ليست تغريدة شخصية، فلا موقعه ولا طبيعة الدولة التي يمثل تسمحان له بأن يُغّرد من بنات أفكاره، ولاسيما أن «التغريد» على «التويتر» أضحى وسيلة متبعة في عالم السياسة من أجل إطلاق موقف أو تعليق على قضية ما. هي باتت تُعبر عن موقف رسمي للدول ومسؤوليها، وليست مجرد كلام يطلق على عواهنه. من هنا يمكن فهم الإرباك اللبناني في قراءة مغزى التغريدة ومراميها، والرسالة أو الرسائل التي أراد المسؤول السعودي أن يوصلها بطريقته إلى من يعنيهم الأمر.

اللافت أن «حزب الله» على لسان أوساط نوابه سارع في يوم «الأربعاء النيابي» في عين التينة إلى الإيحاء أن الرسالة موجهة إلى رئيس الحكومة سعد الحريري الذي عليه أن يقرر كيف سيتعامل معها، واللافت ايضاً أن خصوم «حزب الله» أعتبروا أنها تأتي في إطار الرد على تطاول نائب «حزب الله» نواف الموسوي على المملكة العربية السعودية. ولكن تغريدة كهذه وبما تحمله في مضمونها هي دون شك أبعد من تعليق على تطاول كلامي من «حزب الله» على المملكة. فقد سبق للأمين العام للحزب أن ذهب بعيداً في لغة العداء، مستخدماً الساحة اللبنانية منبر شتائم ليس فقط للسعودية بل للخليج والعرب، وصندوق بريد لتوجيه الرسائل بوكالته عن إيران.

التعامل مع تغريدة السبهان بقراءة مسطحة تدل في واقع الحال عن مدى قصور لبنان الرسمي والسياسي عن إدراك «القعر» الذي وصلت إليه الدولة والمؤسسات التي تمت استباحتها إلى مستوى بات معه اللبناني تحت الشبهة لمجرد أنه لبناني، وإلى حيث يمضي لبنان لأن يتم التعامل معه على أنه دولة فاشلة.

في رأي دبلوماسي ينتمي إلى زمن الدبوماسية اللبنانية العريقة لا زمن «الدبلوماسية القاصرة» الذي نعيشه اليوم أن من يملك المعطيات في مواقع القرار وحده قادر على فك أحجية التغريدة. ومن هم في مواقع القرار هنا هم رأس الدولة المتمثلة برئيس الجمهورية تماماً كما رأس السلطة التنفيذية وحتى رأس السلطة التشريعية، ومعهم كبار المسؤولين في المؤسسات الادارية والأمنية والعسكرية والمواقع الحساسة في مرافق الدولة.

التغريدة في مغزاها السياسي واضحة لجهة أن فترة السماح التي أعطيت للبنان تحت مختلف الظروف قد انتهت. وبات تالياً على الجميع أن يتحمل المسؤولية. الأمر هنا لا يتعلق في استخدام لبنان منبراً للشتائم، على رغم أهمية وضع حد لهذه الاستباحة وهذا التفلت، بل يتعلق بما إذا كان لبنان يريد أن يمارس دوره كدولة غير مستباحة من ميليشياـ وغير مجيرة لمصلحة تلك الميليشيا، وغير مستخدمة كمنطلق لاعمال تخريبية في دول الخليج، ومراكز تدريب وتخطيط للميليشات التابعة لإيران.

ثمة من يدق ناقوس الخطر. فالمواقف السياسية وحدها لم تعد كافية، في لعبة التسابق حول اثبات ما إذا كان لبنان جزءاً فاعلا من منظومة عربية شرعية ومن التحالف الدولي لمحاربة الارهاب، أو هو جزء من «محور جهادي» رباعي يضم الى ايران كلاً من العراق وسوريا ولبنان، فيما «حزب الله» يُسيّر الدولة، يتخطى الحدود في إمتداده، يقاتل حيث يشاء وحين يشاء، ويفاوض تارة بإسمه وطوراً بغطاء من الدولة، تغطيه حكومة ورئيسها ويغطيه رأس الجمهورية المؤتمن على الدولة ومصالحها.

بات الأمر يتعدى الكلام السياسي غير المقرون بالافعال والإجراءات التي لا بد من اتخاذها لوقف الاختراقات الحاصلة بغطاء رسمي. كيف يمكن تبرير أن لبنانيين بأسماء وهمية يحملون منذ سنوات عدة جوازات سفر صحيحة بأختامها؟ هذا ما كان محور بحث مطول في زيارات مسؤولين عديدين إلى دول خليجية. عناصر من «حزب الله» تتسلل إلى دول الخليج باسماء أخرى تعود إلى طوائف أخرى كي تحرف عنها الشبهة بجوازات سفر صحيحة وليست مزورة، وأخرى تتسلل إلى الكويت بعدما عمدت إلى تغيير مذهبها إلى المذهب السني. مخططات «خلية العبدلي»  وما كشفته له دور لعناصر «حزب الله» في عملية استهداف ليس للكويت فقط بل جيرانها تتعدى إمكانية الأعمال التي يمكن التغاضي عنها. والشبكات الإرهابية في البحرين والسعودية الضالع فيها عناصر من الحزب والتي يتم الكشف عنها، وتمس بالأمن القومي لتلك الدول، لا يمكن القفز فوق تداعياتها بالرهان على علاقات الأخوة. ودور حزب الله» في اليمن في استنساخ جماعة «أنصار الله» على شاكلته وقتاله على الحدود اليمنية- السعودية، كما دوره في العراق الذي بدأت بعض المكونات العراقية الشيعية تنتقده لا يمكن التغطية عليه. فتلك الادوار مجتمعة لا تنطلق من وصفه مكوناً لبنانياً بل من كونه ذراعاً إيرانية يستخدم لبنانيته ودولته ومواطنيه وقوداً في المواجهة الإقليمية الدائرة في المنطقة. والكلام هنا لا يتناول سيطرة الحزب واحكامه المطبقة على المطار والمرفأ سواء أقر المسؤولون أو لم يقروا بذلك، ولا اختراقه لمختلف الأجهزة الرسمية وتجييره لمعلومات وأسرار الدولة لمصلحة مشروع المحور الذي ينتمي إليه ويقاتل تحت لوائها وبإسمه، ولا قنواته وشبكاته في تبييض الأموال وتجارة المخدرات.

هي حقيقة مخيفة، لكنها باتت تتطلب مراجعة جريئة ومواقف بإسم الدولة تترجم إلى أفعال، لا بل باتت – وربما هنا مكمن الخطورة في تغريدة السبهان- تتطلب من اللبنانيين كمواطنين، أفراداً وجماعات ومؤسسات، الدفاع عن مصالحهم سواء اؤلئك الذين يعيشون في كنف تلك الدول أو الذين يعيشون في لبنان، والذي يرزحون تحت أعباء ثقيلة سياسية واجتماعية واقتصادية ومالية. فالمسألة تعدت مطالبة أركان الحكم والسلطة السياسية في رفع الغطاء الذي يوفرونه للحزب عنه إلى مطالبة اللبنانيين بالتحرك في ممارسة الضغوط المطلوبة لحماية مستقبلهم ومستقبل أولادهم.

المتابعون لمجريات الأمور في المنطقة لم يتفاجاؤا بتغريدة السبهان، بل كانوا سابقاً قد حذروا من أيام عصيبة تنتظر لبنان، مع المعلومات المتوافرة من غير جهة عن ضغوط سيتعرض لها لبنان، في إطار قرار أميركي – خليجي واضح لتحجيم «حزب الله»، والتي تأتي من ضمنه العقوبات الأميركية ضد الحزب ووضعه على اللوائح السوداء.

ولعل المخاوف الفعلية التي تنتاب هؤلاء المتابعين من أن تدفع الحسابات الخاطئة لدى «حزب الله» أو الخطأ في التقدير من قبله أو من قبل إيران إلى إستخدام ورقة الحدود اللبنانية مع أسرائيل تهويلا أو ضغطاً في لعبة تحسين المواقع، ما قد يؤدي إلى خروج الأمور عن السيطرة وإلى جر لبنان إلى حرب إسرائيلية عليه، ولاسيما أن الأمر بات مقلقاً مع عودة بوادر التوتر على الحدود والمناورات الإسرائيلية التي تحاكي الحرب مع «حزب الله»، ومع الكلام الذي يتعدى الهمس في الأروقة الدبلوماسية الدولية والذي عبرت عنه مندوبة واشنطن في الأمم المتحدة نيكي هايلي من أن الحرب مسألة وقت، وذلك في معرض انتقادها لعجز قوات الطوارىء الدولية في الجنوب عن ردع «حزب الله» من تهريب الأسلحة إلى منطقة جنوب الليطاني!.