IMLebanon

الشيطان المسيحي الأكبر

أعذرونا… نحن مضطرون الى إعادة طرح السؤال، والآفاق الملبّدة بالعواصف لا تحتمل تدجيل العواطف:

أفما آن لهؤلاء الإخوان أنْ يتفقوا… أنْ يتفاهموا… أنْ يتسالموا… أنْ يتساكنوا دونما تحرُّش على الأقل، ومن دون أن تكون هناك «خناجر في الإبتسامات» على ما يقول شكسبير؟

أفما آن لهؤلاء الإخوان أن يتخلّوا عن طَلْيِ وجوههم بالمساحيق عندما يتفاهمون على الأوراق ويعقدون الخناصر، وعندما يعلنون الوفاق على سنّة الله ومسيحه؟

نحن مضطرون اليوم الى إعادة طرح السؤال، وفي الأرض زلزلةٌ جغرافية وبشرية والزمن الهائج يكاد يتقارب فيه الجبل مع الجبل والأسد مع الحمل؟

لن أسمّيهم، فالوصف يغني عن التسمية…

هُمْ يقولون: إنَّ الماضي الأسود أصبح وراءنا، ونحن نراهم كمن يسير خلف الماضي الأسود.

ولن يصبح الماضي الأسود خلفهم إلا إذا وضعناهم أمام هذا الماضي لعلّ الذكرى تنفع المؤمنين.

لا… لِنكْءِ الجراح، ونحن نعرف أننا إنْ حَكَكْنا جرحاً أَدميناه، بل لأن هناك أشباحاً من الخيول الشاردة عندنا وحولنا، ونخشى معها أن تسيل الجراح من الجراح، وتتكسر الرماح على الرماح.

أعذرونا إذا ما ذكّرنا ببعض فصول الليل الأسود كي تُذْكرَ ولا تعاد، وهي تلك التي صبغت بلدة «الصفرا» بالدم الأحمر، وهي التي وشّحت بلدة إهدن بالثوب الأسود، وهي التي اغتالت داني شمعون بالثوب الأخضر والتي غرقت فيها الأشرفية بدم المواجهة الثنائية، وصولاً الى تصفية الجرحى على أسرّة مستشفى أوتيل ديو، وكان ما كان، من انتفاضات واغتيالات وكمائن ومحاولات اغتيال، وحروب إلغاء، ومجازر فردية أخرى متفرقة.

وهو الماضي الأسود الذي أدّى الى تهجير الرئيس أمين الجميل والعماد ميشال عون الى باريس، والى تهجير الدكتور سمير جعجع الى سجن بعبدا بدلاً من تهجيرهم الى قصر بعبدا.

لأن الماضي يحاول أن يسابق الحاضر، ولأن ما يقضّ المضاجع وما يستجلب الفواجع هو بروز موكب ذلك الشيطان المسيحي الأكبر الذي إسمه الإنتخابات والذي بدأ يستنفر المعارك في الساحات.

لذلك نَذْكُر هذه المجازر ولا نسمّي أبطالها حتى تظلّ في ذاكرة الذين عايشوها ولا تنتقل الى ذاكرة الجيل الذي وُلد بعدها، حرصاً على عدم اهتزاز الرابط التواصلي بين السلف والخلف.

في مذكرات الآباتي بولس نعمان، أنّ الأستاذ الكبير فؤاد افرام البستاني قال للرئيس كميل شمعون والشيخ بيار الجميل في الجبهة اللبنانية: «إنْ الشعب الماروني أهمّ من قياداته…»

هذا في زمن الكبار، وبعد غياب الكبار أصبحت القيادات المارونية أهمّ من الشعب الماروني، وليس هناك قادة كبار لشعب صغير.

الظاهرة الغريبة التي لم يستطع علماء السياسة والإجتماع أن يجدوا لها تفسيراً علمياً أو منطقياً: كيف أنّ مجموعات من أهل النخبة والعلم والإختصاص تنخرط في أحزاب لا تتمتع قياداتها بالمواصفات القيادية العالية، وكيف استطاعت شِباك البحَّارة الجدد أن تجرف هذا القدر من السمك وليس بينهم ربّان سفينة يتحلّى بما تميّز به كميل شمعون وبيار الجميل وريمون إده وسليمان فرنجية.

لعلّ فؤاد افرام البستاني قد أجاب عن تساؤل علماء السياسة والإجتماع وأوحى بتفسير هذه الظاهرة الغريبة: وهي أن الشعب الكبير يصغر بالقادة الصغار.