لكي تعرف ما يقوله وزير الخارجية جبران باسيل، يومياً، يجب أن تعرف (تسمع أو تقرأ) ما يقوله رئيس مجلس النواب نبيه بري يومياً أيضاً. فمنذ أسابيع غير قليلة تصدر عن دولته تصريحات تأتي تعليقاً على كلام أو مشروع أو تصرّف يصدر عن وزير الخارجية والمغتربين. والصحف، بل سائر وسائط الإعلام، لا تقصّـر إطلاقاً في الشرح والتحليل والتفسير. بل يبدو بعضها وكأنه يسهب في التأويل، من ذلك: «ما قاله باسيل لقي اعتراضاً من بري… رئيس المجلس يقول رأيه بصراحة في موقف باسيل الأخير…. بري يرد على تلويح باسيل بالشارع فيقول إن للشارع أربابه… بري يقول إن باسيل لا ينتج المشاريع إنه ينتج الفراغ» الخ…
والواقع أنّ هذه الحقيقة تدعو الى كثير من التساؤل نكتفي بالإشارة الى الآتي منه:
أولاً- بداية لم يكن الرئيس نبيه بري مرة حليفاً للتيار الوطني الحر ولا لفخامة الرئيس العماد ميشال عون بالذات. وهذه لا تحتاج الى شرح، فشرحها منها وفيها. وأكثر مثال صارخ مسار معركة رئاسة الجمهورية وعجز (أو عدم إرادة) حزب اللّه بإقناع زعيم أمل في تأييد زعيم التيار الوطني الحر لرئاسة الجمهورية. والوقائع في متناول، وطبعاً في ذاكرة، الجميع. وبالتالي فالمناخ ليس مواتياً، أو إنه لم يكن مواتياً في أي مرة للتهدئة بين الطرفين.
ثانياً – إن جرح إنتخابات جزين في دورتي 2005 و2009 لم يندمل بعد. وجاءت الأحداث والتطورات المتعاقبة لتزيد فيه بدلاً من أن تعمل على ختمه. وحتى في وقت بدا انه ختم كان على زَغَل، كما يُقال. ويبدو من مسار الأحداث أن الجرح الى تعميق في الإنتخابات النيابية المقبلة أياً كان القانون الذي ستُجرى عليه، سيّان أكان على القاعدة الأكثرية أو النسبية أو المختلط… وسيّان بقانون جديد أو بقانون الستين.
ثالثاً – إن شعار حليف الحليف رفعه الرئيس بري، مبكراً، منذ سنوات، ليقول إنه لم يكن قد إقتنع بعد أن التحالف ضمن الثنائية الشيعية لن يكون مفتوحاً أمام التيار الوطني الحر. خصوصاً وأنّ الرئيس بري مرتاح في تحالفه «الآخر» مع قطبين ليس بين أي منهما والتيار الوطني إنسجام، هما الوزيران وليد جنبلاط وسليمان فرنجية، حتى قيل، عن حق، ذات يوم إن التحالف بين العماد ميشال عون وسليمان فرنجية هو أشبه بـ«الزواج بالإكراه». وهذا ما بدا واضحاً جداً في المقابلة التلفزيونية الأولى التي عُقدت مع فرنجية إثر إعلان دعمه للرئاسة آنذاك من قبل الرئيس سعد الحريري… فبدت المقابلة وكأنها مناسبة سانحة لزعيم المردة ليفش خلقه (…).
ويمكن، في نظرة سريعة، الى المستجدات الإنتخابية ليتبين البون الشاسع في النظرة الى الأمور بين بري وباسيل. فعندما قال رئيس المجلس بالتأهيل «أشبه ما يكون بالمشروع الأرثوذكسي»، قال رئيس التيار الحر بالنسبية الكاملة. وعندما قال باسيل بالتأهيلي قال بري بالنسبية الكاملة من دون أي تأهيل (وهذا هو موقفه اليوم). وعندما قال بري بالتصويت في مجلس النواب على التمديد قال باسيل بالتوافق، وعندما قال الأخير بالتصويت في مجلس الوزراء على مشروع القانون قال الأول بالتوافق وإلاّ…
أمام هذا التناقض الحاد كيف سيكون المخرج خصوصاً وان الرئيس بري يحيّد الرئيس عون (ظاهراً على الأقل) في هذه المنازلة الكبرى… وكأنه يفتح الباب أمام مخرج للحل.