يجمع المراقبون على أنّ الرئيس نبيه بري كان يعي تماماً ما يقوله عندما اسقط في يده وبات أمام أمر واقع شديد المرارة على نفسه وهو حتمية وصول العماد ميشال عون، بالإنتخاب، الى رئاسة الجمهورية. فقال عبارته الشهيرة: «الجهاد الأكبر» بعد الإنتخاب.
من هو المجاهد الأكبر؟ ومن هم المجاهدون، كباراً وصغاراً، وما هو موضوع الجهاد؟!.
الجواب واضح بتفرعاته كافة:
أمّا المجاهد الأكبر فهو الرئيس نبيه بري نفسه… الذي اعتبر أنّه مني بخسارة في المعركة الإنتخابية الرئاسية غير مألوفة لديه. فمنذ إقرار إتفاق الطائف وحتى اليوم كان الزعيم الشيعي شريكاً في العهود، ليس فقط في التسمية، إنما كذلك في قطف الثمار. والبعض يقول في المغانم، وهذا معروف ومفهوم ولا يختلف عليه إثنان في لبنان. ودولته يؤكد عليه غير مرة: إذا كان في محاصصة فـ«عالسكين يا بطيخ»!
والرئيس نبيه بري الذي قال ذات مرة إنّ العماد ميشال عون هو مرشحنا لرئاسة الجمهورية ندم على قوله هذا قدر ندمه على قوله ذات مرة (أو مرات عديدة) إن لميشال عون كثيراً علينا وأنا معه ولو طحن على ظهري ملحاً…
والجنرال لم يطحن ملحاً على ظهر أحد. فقط أراد أن يستعيد حضوراً للمسيحيين تقاسمه الآخرون وكان لدولة الرئيس نبيه بري حصة كبيرة في هذه القسمة.
لذلك لم يكن مرور الجنرال سهلاً على القلوب!
وأمّا «المجاهدون» فقد بدا انهم أكثر مما كان معلناً، بدليل ما تكشّفت عنه صندوقة الإقتراع من أوراق بيضاء فاقت المتوقع. وباستثناء كتلة التحرير والتنمية، وكتلة المردة، والثلاثة المعلنين في تيار «المستقبل» والإثنين المعلنين عند وليد جنبلاط، تبيّن أنّ هناك معزوفة أجاد «المايسترو» أداءها… وهؤلاء جنّدوا أنفسهم في معركة الجهاد الأكبر باتجاهين: أولهما شدة الشهيّة الى جنة الوزارة، وثانيهما كثرة المطالب والعراقيل.
ومن «عدّة الشغل»، بل عدّة الجهاد الأكبر أو الأصغر (لا فرق) هو وضع العراقيل وإيهام الرأي العام بأن العقدة في مكان آخر….
وأما موضوع الجهاد فهو أولاً وآخراً: ممنوع أن يكون ميشال عون رئيساً… أما وقد أدّى صمود الجنرال، وتشبث حزب اللّه بموقفه، وإتفاق معراب، وخصوصاً القرار التاريخي لسعد الحريري الى حتمية وصول عون للرئاسة فتحول الجهاد الأكبر الى «ممنوع ان ينجح الجنرال»… وممنوع ان ينجح سعد الحريري في التأليف السريع… فلا بد من بعض الجرجرة، لان الرأي العام لا يستسيغ التمديد للفراغ الحكومي بعد الفراع الرئاسي، ولا بد من إختراع العراقيل.
طيب… تفضلوا عارضوا من حيث تكون المعارضة، أي من خارج الحكومة، وعرقلوا ما شئتم!
لا… فهم أدمنوا الحكم واستمرأوا طعم لذائذه لدرجة يتعذّر على سمكتهم أن تتنفّس خارج مياهه.