من المسلّم به، أن لبنان لا يزال يحظى بمظلة دولية، بالرغم من أزماته الكثيرة المستعصية ولا سيّما منها الأزمة الرئاسية التي تجاوز عمرها السنتين والنصف من دون أن تنجح الجهود الدولية في إحداث أي خرق لها من شأنه أن يفتح أبواب الحلول السريعة لباقي الأزمات المتراكمة من أزمة الفراغ الدستوري الذي كاد يعمّ كل المؤسسات التي تشكّل عناصر الدولة إلى الأزمة الاقتصادية والأزمات الأخرى من إجتماعية ومعيشية مرتبطة بها.
وأبلغ دليل على هذه المقولة الزيارة غير المرتقبة لسفراء الدول العظمى إلى رئيس الحكومة تمام سلام عشية سفره إلى الولايات المتحدة الأميركية للمشاركة في دورة الجمعية العمومية للأمم المتحدة، وإعطاء الحكومة جرعة دعم قوية مع دعوة الفرقاء اللبنانيين إلى تحمّل مسؤولياتهم الوطنية والمبادرة إلى انتخاب رئيس للجمهورية في أقرب وقت لأن الأوضاع الداخلية في البلاد لم تعد تتحمّل كل النتائج السلبية على الدولة الناجمة عن استمرار الفراغ في سدة الرئاسة الأولى وتمدّدها إلى باقي المؤسسات الدستورية كمجلس نيابي شبه معطّل وحكومة مشلولة لا تقوى على تسيير شؤون النّاس الحياتية إلى باقي المؤسسات التي مع غيرها تشكّل أعمدة الدولة التي يُفترض أن تبقى ثابتة أيّاً كان حجم الأزمات التي تعصف بالوطن.
إن الرسائل المتعددة التي بعثها سفراء الدول الكبرى إلى القيادات اللبنانية تدور كلها حول لبننة الاستحقاق الرئاسي، أي أنها تدعو هذه القيادات إلى التخلي عن الرهانات الخارجية، لأنها تزيد من تعقيدات الأزمة بدل من أن تساعد على حلحلتها، والاعتماد على النفس أي أخذ المبادرة، والتواصل السريع فيما بينهم لانتخاب رئيس جديد يُعيد انتظام المؤسسات وتفعيلها، كما حصل قبل ثماني سنوات ونصف السنة في الدوحة الذي أنتج اتفاقاً على رئيس جمهورية وحكومة وقانون إنتخاب جديد اعتبره العماد عون في حينه إنجازاً وطنياً كبيراً، بنى على أساسه زعامته المسيحية التي يهدّد بها هذه الأيام بعدما شعر أن حظوظه في الوصول إلى بعبدا، هي مثل حظوظه قبل اتفاق الدوحة وبعده.
والسؤال المطروح هذه الأيام، هل يقصد عماد الرابية من التصعيد الذي رفعه سيفاً في وجه كل الأطراف اللبنانية المعنية بالاستحقاق الرئاسي وتحديده 28 أيلول موعد جلسة انتخاب الرئيس موعداً إما لنقل هذا التصعيد إلى التنفيذ في الشارع في حال لم ينتخبه المجلس النيابي بالإجماع رئيساً للجمهورية، أو العكس صحيح إذا ما أجمع على هذا الانتخاب.
من المُبكر الإجابة عن هذا السؤال الافتراضي لكن كل المعطيات المتوافرة عن استعدادات التيار الوطني الحر بقيادة الوزير جبران باسيل الذي يُعاني من أزمة داخلية، تؤشر إلى أنه ليس في نيّته التراجع عن قرار التصعيد والنزول إلى الشارع مهما كلف الأمر في حال مرّت الجلسة ولم ترفع العماد عون إلى قصر بعبدا، وهنا مكمن الخطر على الاستقرار الداخلي لأن العناوين التي طرحها باسيل للتصعيد تمسّ بل تستهدف طائفة بعينها لها شارعها ومؤيدوها ويُخشى أن يتحوّل الأمر من صراع سياسي على السلطة الى صراع دامي على الأرض، فهل يُدرك وزير الخارجية هذه الحقيقة ومع ذلك يستمر في التصعيد أم لا يدركها وفي كِلا الأمرين البلية أعظم.