Site icon IMLebanon

الدور المتنامي للميليشيات الموالية للنظام في سورية

مع تصاعد معارك دير الزور والرقة، يصعّد النظام السوري خطابه الخاص باستعادة سلطة الدولة في تلك المناطق. لكن الديناميات بين الجيش السوري والميليشيات الموالية للنظام تُظهر أن مسألة سلطة الدولة ليست واضحة. فالنظام السوري يعتمد على الميليشيات المدعومة من إيران في ساحة المعركة كوسيلة لتعزيز قدرة الجيش السوري، ولكن هذه الميليشيات ليست دمى في يد النظام. والجيش السوري نفسه مشوب أيضاً بمشاكل داخلية تقلل من قدرته.

وبعد أن أصبح الجيش السوري بخمس قدرته السابقة فقط، يحاول الآن زيادة عدد الجنود في صفوفه. وذكرت التقارير أن الجيش السوري حاول اجتذاب المنشقين السابقين الذين يقاتلون حالياً كجزء من الجماعات المتمردة على الحدود السورية العراقية، لإعادة ضمهم الى الجيش. كما عزز النظام التجنيد الإجباري للذكور السوريين. ولكن على رغم أن التجنيد إلزامي بالنسبة لأولئك المؤهلين، فإن العديد من الشباب يحاولون التهرب من التجنيد من خلال التسجيل في الجامعات أو السفر إلى الخارج.

ومن بين الذين في الجيش كضباط وليس كجنود على مستوى منخفض، يتجنب بعضهم أن يكونوا على الخطوط الأمامية إذا كانت لديهم صلات مع ذوي النفوذ، وبدلاً من ذلك يكلفون المهام غير القتالية أو الوظائف الإدارية أو يتم نشرهم في المناطق التي يدور فيها قتال منخفض الكثافة. وقد ترك هذا الخط الأمامي لتحتله إلى حد كبير الميليشيات السورية مثل قوات الدفاع الوطني، وغير السورية مثل «حزب الله».

إن قيادة تلك الميليشيات في نهاية المطاف تابعة لأوامر النظام، لكن الآراء منقسمة حول مدى سيطرة النظام عليها على المدى الطويل. وفي حين أن بعض المراقبين واثق من أن النظام سيكون قادراً في نهاية المطاف على احتواء الميليشيات على رغم دعم إيران لها، يرى آخرون في الميليشيات تحدياً محتملاً لسلطة مؤسسات الدولة في المستقبل. هذا السيناريو هو تذكير بنموذج «حزب الله» في لبنان، الذي قبلت فيه الدولة الميليشيا باعتبارها مكملاً مشروعاً للجيش اللبناني بسبب افتقار الجيش للقدرات، ولكن حيث مهد هذا القبول في نهاية المطاف الطريق لـ «حزب الله» لجعل الدولة رهينة له. إن الإعادة القسرية لثلاثة آلاف لاجئ سوري من لبنان إلى سورية من جانب «حزب الله» في الأيام الماضية، ومن دون الرجوع إلى السلطات اللبنانية في هذا الأمر، هي مثال لمدى تأثير الحزب في الأرض في لبنان.

وعلى رغم خسائره الضخمة، تمكن الجيش السوري من الحفاظ على صفوفه العليا. ويرتبط ذلك جزئياً بالهيكل غير الرسمي لقيادة الجيش المبني على وجود ضباط علويين وسنّة متناوبين في أعلى التسلسل الهرمي، بحيث يقوم ضابط علوي بالإبلاغ إلى ضابط سني يقوم بدوره بالإبلاغ إلى ضابط علوي. وقد لعب هذا الترتيب الطائفي غير الرسمي دوراً في الإبقاء على جزء من الطائفة السنية السورية موالية للنظام. ولكن في الرتب الأدنى، هناك انعدام ثقة متزايد بين الجنود السنّة وغير السنّة، مما يؤثر سلباً في قدرة الجيش في المعارك. وكل ذلك يزيد من تمكين الميليشيات الموالية للنظام.

هذه الميليشيات لديها هامش من الحرية أكبر مما يملكه الجيش السوري. وبعض الشباب السوريين في مناطق النظام يفضلون الانضمام إلى الميليشيات كوسيلة للهروب من التجنيد الإجباري، لأن الانضمام إلى الميليشيات لا يربطه الارتباط القانوني ذاته الذي يأتي مع الانضمام إلى الجيش النظامي. كما أن الرواتب المقدمة لأفراد الميليشيات، التي تمولها إيران، هي أيضاً أعلى من المرتبات التي يحصل عليها الجيش السوري. ولدى الميليشيات القدرة على ممارسة قدر أكبر من السلطة من دون الكثير من المساءلة. ويسيطر قادة الميليشيات على بعض الأحياء في مناطق النظام في غرب سورية، وفي بعض الحالات يحتاج قادة الجيش السوري إلى إذن من قادة الميليشيات قبل دخول الجيش تلك المناطق. وهذا تشابه آخر مع حالة «حزب الله» في لبنان الذي يدفع رواتب أعلى مما يقدمه الجيش اللبناني ويسيطر على مناطق في بيروت وجنوب لبنان التي غالباً ما لا وجود فيها للسلطات اللبنانية.

يمكن القول إن هناك اختلافاً رئيسياً بين الحالتين اللبنانية والسورية، فعلى عكس سورية، حيث كانت هناك دولة مركزية قوية يديرها نظام البعث الواحد على مدى عقود، لم يكن لبنان مرة دولة قوية. كانت الدولة اللبنانية دائماً ضعيفة، حيث المؤسسات الهشة تعاني من الخلافات الطائفية والإقطاعية والإقليمية والمنافسة على السلطة والموارد. وقد مهد هذا الضعف الطريق أمام «حزب الله» للاستفادة من فراغ السلطة بالفعل لكي يصعد ليصبح أقوى من الدولة اللبنانية على مستويات عديدة، بما في ذلك سياسياً وعسكرياً. في سورية، للنظام تاريخ طويل في احتواء المعارضة واستخدام المنشقين لمصلحته، وبالتالي فإن قدرته على التعامل مع صعود الميليشيات أكبر من قدرة الدولة اللبنانية.

لكن هذا لا يعني أن النظام السوري في المستقبل سيكون قادراً على السيطرة الكاملة على الميليشيات التي تقاتل إلى جانبه. وكما تجرى الأمور حالياً، فإن تلك الميليشيات تقوم بمهام عسكرية رئيسية عادة ما تكون من مسؤولية الجيش السوري، ومن ثم بمجرد التوصل إلى تسوية للنزاع، فمن المرجح أن تصعد الميليشيات مطالبها مقابل خدماتها. ومع تضاؤل ​أعداد الجيش السوري، فمن المحتمل أن يقدم النظام لأعضاء الميليشيات طريق الانضمام إلى الجيش بعد انتهاء الصراع. لكن القيود المفروضة على الحياة داخل الجيش وانخفاض الرواتب تعني أن سياسة الاحتواء هذه قد لا تعمل في شكل كامل.

وهناك تحد آخر هو أن الجيش السوري اليوم نفسه أصبح أكثر محلية في الطريقة التي يعمل بها، ولدى جنوده تحفيز أقل للقتال في المناطق البعيدة عن مسقط رؤوسهم. وهناك أيضاً انقسامات متزايدة داخل المؤسسات العسكرية السورية، مثلاً بين الجيش والأجهزة الأمنية، ويرجع ذلك جزئياً إلى تأثير مختلف المانحين الأجانب في مختلف الكيانات العسكرية. وهذا يجعل من الصعب على تلك المؤسسات أن تثق ببعضها بعضاً وأن تتقاسم المعلومات والقدرات في المستقبل. ومرة أخرى، يمهد هذا الطريق للميليشيات في محاولة لإيجاد دور لأنفسهم يستفيد من هذه الثغرات.

الجيش السوري قد يقدم نفسه ككيان سيسترجع دير الزور من «داعش» ويستعيد سلطة الدولة في شرق سورية، لكن التحديات الداخلية التي يواجهها تظهر أن الميليشيات الموالية للنظام وليس الجيش هي التي قد تستفيد أكثر من هذا التحرير.

* كاتبة لبنانية – مديرة برنامج الشرق الأوسط وأفريقيا في معهد «تشاتام هاوس» – لندن