IMLebanon

الخليج ولبنان والأفعى

ضربة كيماوية طائشة قد تصيب لبنان في أي وقت… أليس هذا ما يبشّرنا به الروس الذين باتوا مقتنعين بأن «داعش» وجماعات إرهابية استخدمت سلاحاً كيماوياً في سورية والعراق؟ يعدوننا أيضاً بفيديرالية لسورية يضمنونها ويحرسونها، ولمَ لا؟ أليست الدولة العراقية الاتحادية نموذجاً جديراً باقتدائه، واللحاق به، إلى الجحيم؟

بين الرعب من الكيماوي و «زيكا» النفايات الذي وحّد المناطق اللبنانية بلا عصبيات، ورغماً عن خرائط النفوذ ومصالح الكبار، بات السؤال: متى يشدّ اللبنانيون رحالهم إلى بقعة ما في العالم، عقاباً لساستهم؟ ولكن، هل يُجمعون على معاقبتهم، وهم لا يهدرون فرصة للبحث في ما يطمئنهم إلى مصيرهم ومستقبل أجيال، ونقلهم إلى نعيم رفاهية، لا يشبهه إلاّ تقدُّم بلدان اسكندينافيا؟!

أمن لبنان اليوم يشبّهه «مصدر» بالأفعى الواقفة على ذيلها… متى تَعِبَت انهار الهيكل على رؤوس الجميع. لكنهم موعودون بالحلول، بدءاً من تحصين البيئة إلى بلديات تحمي الوطن ودستوره، رغم غياب رأسٍ للجمهورية.

سيل التحذيرات من الانفجار، ينهمر يومياً، فيطمئن اللبنانيون إلى ثبات جمهورية الاضطراب على حالها. ما المشكلة في التعايش مع أوبئة النفايات، وأي مسألة تستحق القلق ولو بقي قصر الرئاسة باحثاً عن مطلوب لفرصة «ذهبية»؟… فقر وبطالة وشاشات تحتفل بالأصوات الصاعدة، لكنها لا تهمل الأصوات النشاز في السياسة التي لا تملّ مهنة تحقير الآخر اللبناني وتكفيره لتهجيره. هذه حالنا ومَنْ لا يعجبه فليحزم حقائبه ويرحل! هذا لسانهم الذي سقط بالإعلام إلى ما دون الحضيض، بعدما جعل السياسة بازار شتائم… مَنْ يشتم أكثر يسجّل نقاطاً لتثبيت أرجُله على أنقاض الدولة.

ولكن، ليست كل المنطقة ظلاماً ولا لبنان الضعيف- القوي الذي ذهب إلى سورية لمطاردة «التكفيريين»، وسيكون جاهزاً حتماً لمقارعتهم، ولو في الصين. أليس ذلك كافياً ليطمئن اللبناني إلى مصيره؟! لماذا يقلق بعضهم إذاً من «الفوضى الأمنية الشاملة» التي تنقّلت من منطقة إلى أخرى؟ الأفعى ما زالت صامدة، على ذيلها.

وعلى ذيلها يتذاكى الجميع. نحن اللبنانيين لا نخشى فتنة، ولا حتى الأسلحة الكيماوية، ولو كانت في يد «داعش». لبنان أقوى، هو وطنيّ لأنه باقٍ في الجغرافيا، وإقليميّ لقدرة بعض مَنْ فيه على تصدير القوة إلى مشارق المنطقة ومغاربها، ودوليّ لأنه يحجز مكاناً في عالم ما بعد الاتفاق النووي الإيراني.

لعله لن يكون عالم كيماوي «داعش»، ونفايات تفضح عقم السياسة، وحبل فقر وبطالة، يشد على أعناق اللبنانيين ممن هم ليسوا «فئة ممتازة».

مع كل ذلك، رئيس «اللقاء الديموقراطي» وليد جنبلاط المرتاح إلى «تنوُّع المجتمع الإيراني» في الانتخابات، لا ينسى مناشدة مساعد وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان أن «يفرجنا»، لينطلق قطار انتخابات الرئاسة في لبنان. يعترف جنبلاط أيضاً بـ «النظام الطائفي المتخلّف» في البلد، والذي يحرم اللبنانيين من مناعتهم إزاء شرارات الفتنة الطائفية- المذهبية. لكنّ السؤال الذي لن يجدي تكراره حتماً، هو كيف يحق للإيرانيين التنوُّع والاختيار، ويحجبونهما حيث أصابع نفوذهم في المنطقة العربية؟

هل سُمِح للبنانيين ودولتهم باتخاذ موقف من التدخُّل في سورية والبحرين واليمن والعراق؟ هل تسمح القوة المهيمنة في الدولة، باستفتاء تحت إشراف الأمم المتحدة، لإخراج لبنان من العناية الفائقة، وإنقاذه من ورطة «النأي بالنفس» عن الإجماع العربي؟ هل تقبل أي قوة في لبنان بالرضوخ لغالبية الرأي العام؟

إنه العقم الذي أصاب الصيغة اللبنانية، بعدما حرمت مرحلة الوصاية السورية وبعدها الإيرانية، البلد من استكمال تطبيق اتفاق الطائف، لأسباب معروفة. إنه العقم في ابتداع مخرجٍ يليق باللبنانيين، فلا يخشون مسيرة أو تظاهرة، ولا يندفع لسان بالشتائم. وللمقارنة فقط، مَنْ يصدّق أن إيران تصدِّر مكوّنات «نووية»، ونحن عاجزون عن تصدير نفايات؟!

نصدّق أن إيران حتى في عز عهد الإصلاحيين، أطلقت العنان أو لم تتصدَّ لمشاريع «الحرس الثوري» في المنطقة، وطموحات الامبراطورية… وأن إيران حسن روحاني منفتحة على الغرب لمصلحتها لا لمصلحة العرب الذين لم تخطُ بعد خطوة واحدة باتجاه مصالحتهم وفتح باب الحوار معهم، فيما تحتجز انتخابات الرئاسة اللبنانية رهينة، وتُبرّر للحوثيين خوض حرب مع شعبهم، وتحرّك خيوط «الحشد الشعبي» ومَنْ وراءه في العراق المتأرجح على حبال الفتن.

جَذْرُ المشكلة في العلاقات اللبنانية- الخليجية أنّ وجه لبنان تغيَّر، وأنّ كثيرين من ساسته أفقدوه مناعته التعدُّدية، وغلّبوا «عضلات» النووي الإيراني على عروبته. جَذْرُ المشكلة- المأساة في لبنان هو تغييب العقل… وكلما غاب، علا الصراخ، وتحولت الشتائم سلاحاً أبدياً.