IMLebanon

لماذا ابتعد الخليجيون عن لبنان..؟

 

يفتقد اللبنانيون المتواجدون في الدول الخليجية غياب لبنان السياسي والديبلوماسي والإعلامي عن الفضاء الخليجي.

 

وحتى الوجود التجاري يتراجع يوماً بعد يوم، لألف سبب وسبب، منها على سبيل المثال: عدم إنتظام وصول الشحنات في مواعيدها نتيجة صعوبات النقل البري عبر سوريا، أو من خلال الناقلات البحرية للشحنات المحملة بالمنتوجات اللبنانية، فضلاً عن اشتداد المنافسة مع بلدان أخرى، أكثر انتظاماً، وأشد التزاماً بالمواصفات.

 

ويستغرب قادة الجاليات اللبنانية هذا الإهمال المتمادي من قبل المراجع الرسمية، لهذا الواقع المستجد في العلاقات اللبنانية – الخليجية، والذي يهدد، في حال استمراره، البقية الباقية من المصالح اللبنانية الحيوية مع دول المنطقة، إلى جانب تعريض مصير أكثر من نصف مليون عائلة لبنانية للخطر.

 

وباستثناء الزيارات الشكلية والبروتوكولية التي قام بها الرئيس ميشال عون غداة تسلمه رئاسة الجمهورية، فإن الوزراء اللبنانيين غائبين بشكل شبه كامل عن المنطقة، في وقت كانت فيه حركة تبادل الزيارات ناشطة دائماً في العهود السابقة، وآخرها عهد الرئيس ميشال سليمان الذي حرص على الحفاظ على أطيب العلاقات مع الدول الخليجية، وخاصة المملكة العربية السعودية، حيث أثمرت سياسته المتوازنة دعماً للجيش اللبناني والقوى الأمنية بشكل غير مسبوق.

 

وتبين أن معظم إتفاقيات التعاون والتجارة بين لبنان والدول الخليجية تعود إلى أيام الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ولم يطرأ عليها أي تغيير بعد مرور أكثر من عقدين من الزمن، ورغم المتغيرات العديدة التي حصلت لدى الجانبين منذ تلك الفترة.

 

والغياب الإعلامي للبنان لا يقل خطورة عن الغياب السياسي. لقد تراجع الاهتمام الخليجي بالوضع اللبناني، إلى درجة أصبحت تبحث عن أخبار وطن الأرز في زوايا الصفحات الداخلية، بعدما كان لبنان يحتل المانشيتات ومساحات مهمة على الصفحات الأولى للصحف الخليجية، فضلاً عن الحضور الإعلامي اللافت على شاشات التلفزة.

 

كما أن الاهتمام بالإعلام اللبناني قد انحسر إلى حدوده الدنيا، حيث غابت الوفود الإعلامية اللبنانية عن المناسبات الوطنية والسياسية الكبرى لدول المنطقة، في حين كانت تتصدر المنابر الإعلامية، وموضع اهتمام شخصي من الملوك والأمراء وكبار المسؤولين الذين كانوا يحيطون الصحافة اللبنانية برعاية مميزة.

 

ويخشى العديد من رجال الأعمال اللبنانيين في أكثر من دولة خليجية، أن تؤدي هذه البرودة في العلاقات اللبنانية مع الأشقاء الخليجيين إلى فقدان دور ومكانة لبنان في المنطقة، الأمر الذي ينعكس سلباً على البلد في مختلف المجالات، لا سيما في المخططات والمشاريع الإنمائية، حيث تحتل مساهمات الدول الخليجية المرتبة الأولى بين الدول المانحة، في مؤتمرات باريس لدعم الاقتصاد اللبناني، والتي كان آخرها مؤتمر سيدر، حيث بلغت التقديمات الخليجية أكثر من ثلث المبالغ التي تم جمعها في المؤتمر المذكور.

 

وأشار رجال الأعمال اللبنانيين أيضاً إلى إنعكاس هذا الواقع المتردي على حركة الاستثمارات الخليجية في لبنان، حيث تراجعت أرقام الاستثمارات السعودية وحدها من أكثر من ١١ مليار دولار سنة ٢٠١١، إلى أقل من ثلاثة مليارات دولار عام ٢٠١٩، فضلاً عن العديد من المشاريع والاستثمارات السعودية والخليجية المعروضة حالياً للبيع، بهدف الخروج من السوق اللبناني نهائياً.

 

وتسأل أصحاب الخبرات من رجال الأعمال اللبنانيين المخضرمين عن أسباب هذا العزوف الخليجي عن وطن الأرز، ويأتيك الجواب بكل صراحة وعفوية: خروج لبنان من الصف العربي أولاً، وسلطان الفساد المستشري في جسم المنظومة السياسية.

 

لم يعد خافياً أن الديبلوماسية اللبنانية في عهد الرئيس عون قد انحرفت باتجاه المحور الإيراني بقوة، وصوّت لبنان في أكثر من مناسبة ضد الإجماع العربي، وخاصة في الاعتداءات الحوثية الصاروخية ضد السعودية، والتي تتهم الرياض طهران بالوقوف وراءها. وظهر الموقف اللبناني المتباعد عن الالتزامات العربية في الاعتداء الصاروخي الأخير الذي استهدف منشأة نفطية في جدة، حيث تجاهلت بيروت العدوان تماماً ولاذت بصمت مريب يطرح أكثر من علامة استفهام عن الرهانات اللبنانية الرسمية في هذه المرحلة.

 

الكلام عن خلفيات التدهور الحاصل في علاقات لبنان مع الدول الخليج، وتجارب الأشقاء الخليجيين مع الفساد في لبنان يحتاج إلى حديث آخر، قد يساعد على إيجاد الجواب الشافي للسؤال الملحاح: لماذا ابتعدت دول الخليج العربي عن لبنان؟