Site icon IMLebanon

الموقف الخليجي مؤازر والغربي متخاذل

 

لا يمكن إنهاء الأزمة اللبنانية على الطريقة الأميركية والغربية التي تتعامل مع «حزب الله» كأمر واقع، وتكتفي بمواجهته عن طريق العقوبات، فيما يواصل الحزب إمساكه بقرار الدولة والتباهي بعديد جيشه الـ100 ألف.

 

يضع الموقف الأميركي والأوروبي أولوية الاستقرار في لبنان بمعزل عمّن يؤمِّن هذا الاستقرار، أكان جيش النظام السوري أم جيش «حزب الله»، فيما الاستقرار يجب تأمينه عن طريق التفاهم بين اللبنانيين على المساحة المشتركة الجامعة بينهم، والتي تبدأ بالدولة وتنتهي بالجغرافيا، وأي استقرار آخر يؤمَّن من خلال مشاريع غلبة وانتقاص من دور الدولة والسيادة هو استقرار وهمي لا فعلي، ومفروض بقوة الأمر الواقع لمصالح خارجية لا تمت إلى المصلحة اللبنانية بصلة.

 

فالموقف الغربي المتمسِّك بالاستقرار اللبناني يقدِّم مصلحته على مصلحة لبنان واللبنانيين، وهو متخاذل ومساوم ومتقاعس، لأنّ المطلوب منه تنفيذ القرارات الدولية ذات الصلة بالقضية اللبنانية، وفي طليعتها القرارات 1559 و1680 و1701، وتنفيذ هذه القرارات كفيل لوحده بتثبيت الاستقرار الفعلي والحقيقي. فلماذا لا يضغط باتجاه تنفيذ هذه القرارات؟ ولماذا لا يضع تنفيذها أولوية الأولويات؟ ولماذا يُبقي لبنان بيد محور الممانعة؟ ولماذا يساعد هذا المحور على استمرار لبنان حلقة من حلقاته؟

 

والأسوأ من ذلك، انّ الدول الغربية تحاول تمنين اللبنانيين بموقفها الحريص على الاستقرار في لبنان، فيما هذا الموقف لا يخدم المصلحة اللبنانية العليا، إنما يشكّل إساءة كبرى إلى اللبنانيين، كونه يبقي قرارهم المستقل بيد هذه الدولة او ذاك الطرف، وبالتالي الموقف الغربي يشكّل أكبر خدمة للمحور الإيراني. وتذكيراً فالاحتلال السوري للبنان كان برعايته، وخروج الجيش السوري لم يبدِّل في واقع الحال اللبناني، إنما نقل القرار من دمشق إلى حارة حريك وطهران، بدلاً من ان يكون في بيروت.

 

وقد حان الوقت لأن يُسقط الشعب اللبناني هذا الوهم التاريخي، بأنّ الغرب يشكّل سنداً له، لأنّ هذا الوهم بالذات يجعله متكئاً وخاملاً وكسولا وعاجزاً، فيما التخلُّص من هذا الوهم يجعله متحرّراً ومنعتقاً ومبادراً، لأنّه قد حان الوقت فعلاً لأن يصل الشعب اللبناني إلى قناعة بأنّ تحرير قرار وطنه يبدأ من بيروت وليس من واشنطن ولا من باريس ولا من لندن، والتعامل مع هذه العواصم على قاعدة إما عاجزة وإما متواطئة، وفي الحالتين موقفها لا يقدِّم ولا يؤخّر.

وأي مقاربة أساساً للعقود الأخيرة، تُظهر انّ الدور الخارجي الفعلي في لبنان هو دور إقليمي فقط لا غير، فيما الموقف الدولي يكتفي ببيانات التنديد والشجب والاستنكار والزيارات الديبلوماسية، التي في حال خرجت عن اللغة غير المفهومة ينتهي مفعول كلامها مع انتهاء الزيارة.

 

وفي سياق الدور الإقليمي الذي وحده يمكن الرهان عليه في موازاة الرهان على الذات، تأتي ردة الفعل الخليجية على موقف وزير الإعلام اللبناني، والتي هي بمثابة قطرة الماء التي أفاضت الكأس، لأنّ الدول الخليجية لم تعد تجد نفسها مضطرة إلى إقامة علاقات طبيعية مع دولة فاقدة لقرارها وتُستخدم أرضها لاستهدافها سياسياً وأمنياً ومخدراتياً، وقد وصلت هذه الدول إلى خلاصة واضحة: إما التعامل مع الدولة اللبنانية او لا تعامل مع الدويلة، فيما الدول الغربية تواصل تعاملها مع الدويلة التي تحكم لبنان، والنظام الإيراني على غرار النظام السوري لا يستطيع ان يحكم لبنان مباشرة، إنما هو بحاجة لأن يتلطّى خلف الدولة، وهذا ما يفسِّر تمسُّك «حزب الله» بالدولة على رغم وجود دويلته وجيشه، لأنّه من خلال هذه الدولة يسيطر على كل لبنان وليس على منطقة نفوذه فقط، ويستطيع ان يتلقّى الدعم لهذه الدولة من أجل ان يواصل مشروعه.

 

ويمكن الكلام عن 4 مراحل قطعها الدور السعودي في لبنان بعد اغتيال الشهيد رفيق الحريري وخروج الجيش السوري من لبنان:

 

المرحلة الأولى، تكلّلت في توفير كل الدعم السياسي والمالي اللازم لفريق 14 آذار، ليس من أجل إقامة دويلة 14 آذار، إنما من أجل تطبيق اتفاق الطائف والدستور وإعلاء القانون وبسط الجيش اللبناني سيطرته على كل الأرض اللبنانية، وبالتالي يختلف الدعم السعودي لفريق سياسي عن الدعم الإيراني لفريقها السياسي، لأنّ طهران تريد لبنان مساحة متقدّمة لنفوذها لا دولة فيها ولا دستور يرعاها ولا حدود لكيانها، إنما ساحة قتال وعنف وصندوق بريد تستخدمه لأغراضها ومآربها، على حساب الشعب اللبناني والدولة والسيادة والدستور، فيما الرياض لا تريد من لبنان سوى ان يستعيد قراره الحر وتقوم دولته الفعلية ويطبّق دستوره.

 

المرحلة الثانية، عندما وجدت الرياض انّ فريق 14 آذار لم يتمكن من توسيع مساحة الدولة على حساب الدويلة، على رغم الدعم الذي وفرته له، لا بل تراجع أمام استخدام «حزب الله» لسلاحه في 7 أيار، اضطرت إلى الدخول مباشرة على الخط من خلال ما عُرف بالـ»سين-سين» اي السعودية وسوريا، وتكلّلت بالزيارة المشتركة للملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز وبشار الأسد للبنان، وكل همّ الرياض كان توفير الاستقرار والسعي إلى نقل سوريا من الحضن الإيراني إلى الحضن العربي، بما يؤدي إلى تطبيق اتفاق الطائف وتسليم «حزب الله» لسلاحه.

 

المرحلة الثالثة، عندما وجدت انّ محاولات استمالة الأسد مستحيلة، وانّ قوى 14 آذار غير قادرة على إعادة الاعتبار للدستور والقوانين والسيادة، أوقفت السعودية دعمها لهذا الفريق وللدولة في آن معاً، لأنّ المستفيد الأول من دعم الدولة هو «حزب الله» لا الشعب اللبناني ولا مشروع الدولة، وتراجع لبنان في سلُّم أولوياتها، وأبقت على حضور شكلي فقط لا غير، على رغم كل محاولات واشنطن وباريس بدفعها إلى تغيير موقفها ما قبل المبادرة الفرنسية بتأليف حكومة على إثر انفجار 4 آب وما بعدها، وبالتالي فضّلت ان تنأى بنفسها نهائياً عن الشأن السياسي اللبناني الداخلي، بسبب انّ القرار السياسي أصبح بيد طهران، ولا حاجة، بالمناسبة، للتذكير بأنّ الدعم السعودي للدولة اللبنانية يفوق دعم كل دول العالم مجتمعة.

 

المرحلة الرابعة، والتي لبنان بصددها اليوم، عنوانها الخروج النهائي من هذا البلد وقطع العلاقات الديبلوماسية معه بسبب استمرار الإساءات اللفظية او العملية بحقها. وردّة فعلها الفورية على أثر المواقف التي كان أطلقها وزير الإعلام، هي رسالة للداخل اللبناني والخارج الدولي بأنّ الرياض ودول الخليج ترفض التعامل مع دولة تمثِّل الدويلة، وهي وكيل للدولة الإيرانية. فإما ان يكون هناك دولة تحترم دستورها وعلاقاتها، وإما عليها ان تتحمّل مسؤولياتها وقطع العلاقات معها.

 

ولم تصل الرياض إلى موقفها الأخير سوى بعد ان اختبرت كل أشكال الدعم الأخرى للدولة والسيادة اللبنانية، وبعد ان وصلت إلى قناعة تامة بأنّ دعم الدولة بشكلها الحاضر يشكّل دعماً لـ»حزب الله»، وهذه هي الحقيقة والواقع، وهذه القناعة تشكّل المدخل الأوحد لمعالجة الأزمة اللبنانية بجوهرها وعمقها، لأنّه ما دون ذلك ستبقى دولة شكلية محكومة من دويلة فعلية. وما على الدول الغربية المتخاذلة بحقّ لبنان سوى ان تحذو حذو الدول الخليجية لا العكس، لأنّه على همّة واشنطن وباريس سيبقى القرار اللبناني بيد طهران، والوسيلة الوحيدة لإخراجه من يدها، إما تطبيق القرارات الدولية فوراً تحت الفصل السابع، وإما إقفال كل سفارات العالم وعزل لبنان وتركه دولة فاشلة بيد طهران من أجل ان يثور الشعب اللبناني ثورته الثالثة والثابتة، وان تجرّ هذه الثورة دول العالم لإنهاء الأزمة اللبنانية.