على اللبنانيين في قرى الجنوب ومدنه أن يتحمّلوا المزيد قبل أن تنضج الصفقة التي يجري العمل عليها في القاهرة وعواصم أخرى من أجل هدنة أو وقف لإطلاق النار في غزة.
ربط قدرة اللبنانيين على التحمل بمصير الصفقة سببه قرار «حزب الله» فتح الجبهة اللبنانية حتى وقف الحرب الإسرائيلية على القطاع، لكن ذلك يبدو بعيداً من متناول اليد، ولذلك فإنّ المزيد من التضحيات سيكون مطلوباً، من بلد وشعب يعتقد بإمكانية تجنّب المجزرة والانصراف إلى معالجة شؤونه الداخلية العويصة.
لم تنفع اتصالات الرئيس الأميركي جو بايدن الأسبوع الماضي مع بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي، وتأكيده الحاجة إلى اتفاق سريع مع «حماس». مدير الـCIA وليام بيرنز زار إسرائيل بعد اجتماعات القاهرة لهذه الغاية. لكن المشكلة لم تُحَلّ. نتنياهو واصل تصعيده وحربه في رفح، وقائد «حماس» إسماعيل هنية رفع مطالبه إلى الحد الأقصى: «وقف مطلق للعدوان، وانسحاب القوات الإسرائيلية خارج القطاع، ورفع الحصار، وعودة النازحين… والالتزام بإعادة إعمار القطاع».
احتمالات الصفقة تتراجع في مناخات كهذه. على الأقل حتى أمدٍ غير منظور، وهذا يعني أنّ حرب «المساندة» في الجنوب ستستمر وحجم الضحايا والأضرار سيكبر، ليس في المناطق المستهدفة فقط، وإنّما في سائر مناحي حياة اللبنانيين الاقتصادية والاجتماعية. وفي الأثناء سيتعمّق انعدام وزن الدولة في وقت تذهب فيه حكومة تصريف الأعمال بعيداً في تبني عنوان غزة أولاً، فتصبح، وهي هكذا حالياً مجرد ملحق دبلوماسي لـ»حزب الله» وقتاله المفتوح.
سينتظر لبنان كثيراً قبل استعادة الهدوء على حدوده. في نطاق صفقة «حماس»- إسرائيل المطروحة لا مكان له أو لحربه. لكن في المشروع الأميركي الأشمل للمنطقة الذي يتضمن حل الدولتين، والتطبيع العربي الإسرائيلي، سيجد نفسه تحت بند إيجاد تسوية دبلوماسية للمواجهة بين «حزب الله» وإسرائيل.
ربما ينتظر «حزب الله» تلك اللحظة التي تتيح له شراكةً في ترتيبات الشرق الأوسط الجديدة، فيحفظ دوره، ويلبي حاجة إيرانية ملحة، وحتى يحين هذا الوقت سيتضاعف الثمن من دماء المواطنين، ولن تكون الدولة اللبنانية موجودة للتوقيع، أقلّه في الشكل.