ليس صعباً افتراض خضوع المعارضة السورية في هذه المرحلة لواحد من أقسى الامتحانات التي واجهتها على مدى الأعوام السابقة.. وليس صعباً الاستطراد للوصول الى خلاصة تفيد بأن هذه المعارضة كانت تقاتل، منذ النصف الثاني من عام 2013 على الأقل، بقايا السلطة الأسدية مدعومة بـ«الحشد» المذهبي الذي جلبته إيران الى سوريا، زائد الإرهاب الذي تنامى وانفجر بسرعة، زائد السياسة الأميركية المسنودة بقراءة استراتيجية إسرائيلية متعددة الطبقات فحواها الأخير هو عدم السماح بأي خطوات حاسمة يمكن أن توصل الى إنهاء سريع لهذه النكبة.
ما تسرّب ونُشر عن موقف الإدارة الأميركية من قصة التحضير لبدء «مفاوضات» جنيف لا يخرج، لا في الشكل ولا في المضمون، عن السياق المركزي للسياسات التي اعتمدتها إزاء النكبة السورية.. وبالتالي يُفترض عملياً ومنطقياً وواقعياً، عدم الاستغراب أولاً، وعدم اعتماد السلبية ثانياً. وذلك ينطلق من حقيقة قائمة وأخرى افتراضية.
الأولى هي أن المعارضة برغم الموقف الأميركي، بقيت خلال الفترة التي تلت التراجع عن محاسبة الأسد على جريمة الكيماوي في الغوطة الدمشقية، سائرة في مسار تصاعدي وليس تراجعياً. وأمكنها مدّ سيطرتها وصولاً الى تخوم المعقل الأخير لبشار الأسد في ريف اللاذقية.. وإلى تأكيد عجز بقايا السلطة وكل ملحقاتها الإيرانية عن وقف ذلك المنحى الانحداري.
.. وبرغم ان طلقة «داعش» الإرهابية كانت من أكثر ضربات المحور الأسدي الإيراني تأثيراً، وعلى كل المستويات، فإن هذه المعارضة تمكنت من التأقلم مع تلك المستجدات وأثبتت حضوراً كافياً لمنع أي طرف معاد من الوصول الى استنتاج قدرته على كسرها وهزيمتها.
وهذه حقيقة لا تُجادَل. ولا يُنقص من صدقيتها شيئاً، اتهامها بكل ما في المحور الأسدي – الإيراني، من مثالب ورزايا ونواقص. أما «الحقيقة» الافتراضية، فهي تتعلق بالمرحلة الراهنة والمستقبل القريب، وبالمسار العام للوضع السوري وليس بالمعارضة فقط. وهذه تقول أن هناك حتميّتين لا بد منهما قبل الوصول الى الهدف المعلن بـ«الحل السياسي». الأولى: هزيمة «داعش» فعلياً، أو على الأقل، كسره في مناطق سيطرته الرئيسية، في سوريا والعراق معاً. والثانية الانتهاء الى الأبد من سلطة الأسد! والترابط بين الأمرين والشأنين لا مفر منه ولا مهرب، حتى لو بدت الصورة قاتمة راهناً وتُظهر ميلاً الى المنطق المضاد الذي تقوده موسكو وترعاه بالقصف والنار وارتكاب المجازر.
السلاح نفسه الذي افترض المحور الأسدي الإيراني انه قَاتِلٌ للمعارضة، سيكون هو نفسه المحرك لإنهاء بقايا السلطة وتحكّمها الفئوي المديد بسوريا: كل معركة يُهزم فيها «داعش» تعني اقتراباً، من الجانب الآخر، المؤدي الى الاندحار الأخير لتلك السلطة. وإلا، ما كان هناك أي معنى لانخراط كل الفرقاء، الإقليميين والدوليين، في قصّة «الحل السياسي».. ولكلام وزير الخارجية الأميركي جون كيري عن كون الأسد هو «المغناطيس» الجاذب للارهاب!
.. وفي كل الحالات، فإن هذه الثورة الإعجازية التي صمدت برغم كل الأهوال والفظاعات على مدى السنوات الخمس الماضية، لن تغصّ بامتحان جنيف برغم صعوبته الكبيرة!