رهان التفاؤل يتقدم… والقوة المالية المحرك الأقوى!
سؤال بسيط واحد يشغل اللبنانيين، سواء أولئك الذين يطلقون على أنفسهم اسم «ثوار بيروت»، أو دوار إيليا أو ثوار طرابلس وجل الديب والصيفي والزلقا، الى ثوار بعلبك، أو حتى الناس العاديين أو المنتمين الى هذه الجهة أو تلك. هذا السؤال هو: هل سيشكل الحكومة؟ (والفاعل المستتر المعلوم هو الرئيس سعد الحريري).
ينطوي السؤال على أمل وتوجّس وتشكيك خجول، ولا حاجة لشرح لماذا يتعلق اللبنانيون بالأمل، فسبل العيش ضاقت بهم، بكل معنى الكلمة، ففرص العمل طارت، والبطالة تجاوزت حدوداً غير مسبوقة (بين 60 و70٪)، واللبنانيون صاروا، خلال العام الفائت تحت خط الفقر (55٪)، ولا حاجة للارتفاعات اليومية والقياسية لأسعار السلع والخدمات سواء كانت من نوع الخضرة أو الخرضوات، أو الأدوات الكهربائية والميكانيكية الى تذاكر السفر وما شاكل.
أما التوجس فهو الخشية من انهيار الفرصة المتاحة، أولا أمام وقف الانهيار، وثانيا امام اعادة البلد على الخارطة المالية والسياسية الدولية، وسط عواصف التحولات التي تضرب العالم العربي، وتغيّر «صبغيات» الصراع العربي – الاسرائيلي، الى معالجات وتطبيع بين ابناء نسل ابراهيم واسحاق واسماعيل وسائر الانبياء من ذريته الى موسى وعيسى ومحمد.
ثمة اسباب كثيرة تجعل للتوجس من اضاعة الفرصة مبرراته، اولا قياسا على الماضي، وان كان ابن خلدون في مقدمته لكتابه الضخم «ديوان المبتدأ والخبر في ايام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» يحذر من قياس الحاضر على الماضي قياسا مطلقا، وهو الامر الذي يؤدي الى فهم خاطئ لوقائع التاريخ. وثانيا لأن ذوي السلطان اللبناني الاكبر من زعماء ميليشيات صاروا رؤساء ووزراء ونواباً، واستلبوا الدولة مقدراتها، وهم المعنيون بتأليف الحكومة بصرف النظر عن الرئيس المكلف. وقد يختبر الرئيس الحريري وهو يسعى الى تأليف رابع لحكومة برئاسته أن الرهان على متغيرات من شأنها ان تحسم الخلافات، وتؤدي الى ولادة سريعة للحكومة مدى صحة رهاناته، في واحدة من أجرأ وأخطر مبادراته لاحداث خرق في الجدارات المسدودة، في ازمة من نوع الأزمات اللبنانية، المحكومة بكثرة من الاعتبارات، ليس أقلها الإعتبار الطائفي والمذهبي، والرهانات على ارتباطات خارجية، في مرات كثيرة، يكون لها اليد الطولى في حسم الخيارات اللبنانية، باتجاه التوصل الى اتفاق، أو السير في معالجة، توقف الانهيار..
لم يجانب الصواب المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان غوبيتش عندما غرَّد متفاجئاً كيف أن رجال الطبقة السياسية، التي أخذت البلد الى أخطر ازمة بنيوية وكيانية، هم أنفسهم، من يتولى وضع الآليات الآيلة، الى انقاذ البلد من مزيد من الإنهيار.
والحال، أن الطبقة السياسية، صاحبة اليد الطويلة، والمتحالفة مع الطبقة المالية، وكلا الطبقتين تلعبان بالمال، وتعومان فوقه، غير آبهين لا بأنين الأمهات، ولا بعويل الثكالى، ولا بالمصائر المظلمة التي تواجه ألوف الشبان من شباب وبنات، وهم يبحثون عن مستقبل قاتم في بلدهم..
يقال في الأمثلة الشعبية، أن المتورطين، او المشتبه بهم، «يقطشون قريعة»، في أغلب الأحيان، فإذا هبت العواصف طأطأوا رؤوسهم، لتمر، أو جاءت الأمواج العاتية، فيركبون الموجة، وينجون بأنفسهم، وان كانوا لا يتقنون «فن العوم»، بل فن التشبيح والسطو على حقوق العامة..
هكذا، لم يتمكن حسان دياب (رئيس حكومة تصريف الأعمال حالياً) من الذهاب باتجاه تلمس طريق الحلحلة، فزادت الأزمات، تباعاً في أيام حكومته، التي عمرت سنة أو أقل، بين التكليف والتأليف وتصريف الأعمال.
وهكذا، حسم مصطفى أديب، السفير، والأكاديمي، أمره، وعاد من حيث أتى، محتفظاً بأسرار تجربته في حقائبه، غير الدبلوماسية، بعدما اكتشف أن للطبقة السياسية أنياب، وأن لها أظافر، اشد إيلاماً من أظافر القطط الصغيرة والكبيرة، من أليفة ومفترسة، ومن هررة ونمور وفهود وأسود..
يعرف الحريري الإبن، كثيراً من دروس تجربة والده، التي انتهت به الى الاستشهاد، بعد قيادة ورشة أعمار استثنائية، تحتاج الأرقام التي انفقت في كلفتها الى تدقيق، بعيداً عن الجموح اللبناني الى الغلو والمبالغة، والتقديرات الوهمية والخاطئة، وهو كوَّن تجاربه الخاصة، من التعاون مع «الثنائي الشيعي»، والتيار الوطني الحر، في التسوية الرئاسية، التي كادت أن تعرّيه وتضعفه على المستويات كافة، شعبياً، وسياسياً ونيابياً، ومع الحزب التقدمي الاشتراكي، حيث يحرص ورئيسه وليد جنبلاط، على استعادة «دفة التحالف»، نظراً لحجم المصالح والروابط بين الطرفين، ان لجهة التلازم والتعايش الجغرافي، او الولاءات السياسية، التاريخية والحالية، للاشتراكي، وتيار «المستقبل».. ومع «القوات اللبنانية» حيث، ذهبت الثقة بين الرئيس الحريري ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع الى غير رجعة، بعد استقالة الخارج، والحرتقات داخل الحكومة الأخيرة التي كان يترأسها الحريري، قبل استقالته في 29 ت1 الماضي، تحت تأثير صيحات «جماهير الغضب» في الشارع، والذين كان لجمهور حزب «القوات» حضور لا يستهان به داخل صفوف الحركات الاحتجاجية في الشوارع، والمناطق المسيحية الى وسط بيروت..
يمضي الرئيس سعد الحريري الى «حكومة مهمة».. والعبارة مستمرة من أدبيات ما بعد المبادرة الفرنسية، وهو يتكئ بقوة على دعم ايمانويل ماكرون أوروبياً ودولياً، وعلى دعم محلي، يوفره له، بمناسبة ومن غير مناسبة الثنائي المتحالف (بري- جنبلاط)، ضمن حسابات فرنسية- لبنانية، وربما اعتبارات تتخطى هذه الحسابات، الى محاولة لاستعادة تجربة التسعينيات خلال حكم والده الشهيد..
من الخطأ الإعتقاد ان الحريري ليس بوارد المساومة، هو يساوم، لكنه يقاوم، وسيقاوم، وفقاً لما أعلن أي محاولة لحرف «المبادرة الفرنسية» عن سكتها.. الرامية الى تحقيق إصلاحات حاسمة في:
1 – الكهرباء، وهنا تبدو معركة وزارة الطاقة، واحدة من مشكلات التأليف..
2 – الاتصالات، ومردودها المالي، والاتجاه لخصخصتها، وهذه مسألة إضافية..
3 – وزارة المال، صحيح أن أمر تعيين شيعي تقني على رأسها بات محسوماً.. لكن الصحيح أيضاً أن المانحين، أي كانوا، صندوق النقد او البنك الدولي كلاهما له شروط ورأي في الشخص الذي سيكلف..
ومن غير السير في سائر العقبات والمطالب. فكل شيء قابل للحلحلة، في وقت بدا فيه ان الهم الاساسي يتعلق بإعادة بناء النظام المصرفي، واستعادة الثقة بالنظام المالي اللبناني كشرط من شروط تدفق الاستثمارات، والقروض التي تساعد على استعادة العافية المالية..
وفي الخلفية ان اصلاح النظامين المالي والاقتصادي، سيكونان من ضمن خطة اوسع، أختير الحريري لادارتها، من ضمن الطبقة السياسية، بعدما بات بحكم الثابت ان لا امكانية للاطاحة بها، بغير تدخلات دولية كبيرة، او حرب اهلية، او انتخابات نيابية..
مهما يكن من أمر، يسير الحريري الرئيس المكلف بخطى ثابتة، بعدما دفع المجتمع المالي اللبناني برهانات جيدة على دوره المحتمل من خلال تخفيض قوي لسعر صرف الدولار، يقترب من نسبة تتراوح بين الـ25 و30٪، خلال فترة وجيزة بين ثبات التكليف والتأليف. والدوران باتجاه حكومة المهمة.. وهكذا لا يسقط التشكيك، ولكن رهان التفاؤل يتقدم!