«ليس أنا، بل أحد آخر»… كلمات قليلة كانت كافية ليضع رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري الطابة في ملعب الفريق المناوئ له، وتحديداً في ملعب «حزب الله»، «مايسترو» اللعبة السياسية في البلد، وثانياً في ملعب فريق رئيس الجمهورية.
قصد أم لم يقصد، أعطى موقف الحريري في اليوم الـ40 لانطلاق الحراك زخماً إضافياً لئلّا نقول نصراً ثانياً له، بانسحابه من السباق الى رئاسة الحكومة، فكرّس أحقية مطالب المنتفضين، وربط أي حلّ لأي مخرج حكومي بتلبية مطالب من حملوا «لواء الثورة» منذ 17 تشرين الأول.
وفيما يرى مراقبون أنّ الحريري ليس في وارد أن يكون على رأس حكومة تتحمّل وزر «الانهيار الكبير» في البلد طالما أنه لا يملك القدرة والسيطرة على قراراتها كافة، فإنّ التطورات السياسية المتسارعة في المنطقة، من بغداد وطهران مروراً بدمشق وصولاً الى بيروت، والتي تؤثر بشكل أو بآخر في الوضع الداخلي في لبنان، تمنعه من أن يترأس حكومة يحكمها «حزب الله»، صاحب لائحة العقوبات الأبرز في الأجندة الأميركية والدولية.
كيف قرأت «القوات» موقف الحريري؟
«القوات اللبنانية» كطرف سياسي تعتبر أنّ خطاب الحريري هو الحدث بذاته. وتقول مصادر معراب لـ«الجمهورية» إنّ الحريري حمّل في خطابه الطرف الآخر نتيجة المأزق الذي وصلت اليه البلاد.
الحريري الذي ردّ بامتياز على الحملات التي سيقت ضده عبر وسائل إعلام الطرف الآخر، واتهامه بتسويق معادلات «أنا أو لا أحد» أو «أنا أو الفوضى»، اعتبرتها مصادر «القوات» محاولات لإحراج الحريري وفي غير محلها، ويريد منها فريق السلطة الذهاب الى تشكيل حكومة اللون الواحد مغطاة بقشور سياسية، منوّهة بموقف الحريري الذي رفض القبول برئاسة حكومة بشروط الطرف الآخر.
وتضيف المصادر: «إنّ إشادة الحريري بالثوار والثورة تؤكد من جديد أنه استقال نزولاً عند رغبة هؤلاء الشبّان والشابات الذين يريدون التغيير، ويريدون طبقة حاكمة نظيفة. وبالتالي، يجب ان يشبه الرئيس الجديد للحكومة هؤلاء الناس، ولا يجب أبداً القفز فوق إرادتهم». وفي هذا الإطار، تؤكد المصادر انّ رسالة الحريري الى الشارع «مفادها أنّه اذا كانت استقالته إرضاء له، فإنّ أي حكومة يرأسها ستكون حكومة على هوى هذا الشارع، أي بعيدة عن وجود القوى السياسية فيها».
وتابعت المصادر: «إن الحريري قال بين السطور لـ«حزب الله»: «لن أرضخ لابتزازكم». واذا كنتم تعتقدون انكم بوضع شارع مقابل شارع، ونشر الفوضى في الساحات، وخصوصاً ما جرى في اليومين الأخيرين، تجعلوني أقبل بحكومة وفق شروطكم أو الذهاب الى الفوضى، فأنتم مخطئون». وبالتالي، هو كان جازماً بأنه لن يخضع لشروط الحزب في تأليف الحكومة».
لقاء «القوات» والرئيس… والخيارات المطروحة
بات «حزب الله» أمام وضعية صعبة ومعقدة، فهو الذي كان يسعى لبقاء الحريري على رأس أي حكومة مقبلة أو أقلّه أن يخرج أي رئيس مكلّف من «بيت الوسط»، أصبح اليوم أمام خيارات قليلة، خصوصاً أن أي حكومة مقبلة لن يشارك فيها «المستقبل» ولا الحزب «التقدمي الاشتراكي» ولا «القوات اللبنانية».
وفي هذا السياق، تناولت مصادر معراب اللقاء الأخير بين «القوات اللبنانية» ورئيس الجمهورية، فأوضحت أنه في إطار التواصل المستمر بين معراب وبعبدا، حصل اتصال بين رئيس الجمهورية ميشال عون والدكتور سمير جعجع، لمعرفة موقف «القوات» مما يجري على الساحة الداخلية. فطلب رئيس الجمهورية شرح موقف «القوات» بشكل مفصّل، فتم الاتفاق على إرسال موفدين اثنين إلى القصر، حيث شرحا موقف «القوات» الداعي الى ضرورة تسريع الدعوة الى الاستشارات. كما جدّدا موقف «القوات» الذي دعا اليه جعجع في 2 أيلول في اجتماع بعبدا حول الورقة الاقتصادية، وهو رفض حكومة سياسية، وضرورة تشكيل حكومة من اختصاصيين مستقلين، يكون عملها إعادة الثقة الى اللبنانيين وإلى المجتمع الدولي، فكان ردّ الرئيس واضحاً بأنه لن يقبل إلا بتشكيل حكومة «تكنو- سياسية».
إلى أين؟
اليوم، وقد تضاءلت الخيارات، يبدو أنّ الفريق الآخر يدرس خياراته جيداً. فإما الذهاب إلى حكومة من اللون الواحد، ومن مساوئها انها قد تصطدم بالجدار الشعبي وبعدم حيازتها الثقة الدولية، من جهة، وستكون حكومة تحدٍ، من جهة ثانية، ليس فقط للشارع الثائر وللمجتمع الدولي، بل أيضاً للشارع السنّي، ما سيدخل البلاد في المزيد من التشنجات، فضلاً عن انّ حكومة كهذه لن تكون قادرة على معالجة المشكلات الاقتصادية والمالية. وإمّا التكليف من أجل إخراج الحريري من السراي الحكومي، وبالتالي لا يعني «التكليف» أننا أمام عملية تأليف للحكومة. لذا، فإنّ فريق السلطة أمام وضعية صعبة والانهيار الشامل على الأبواب.
إذاً، إنّ بيان الحريري كان بمنزلة قنبلة سياسية في وجه «حزب الله» وفريق رئيس الجمهورية، ولكن السؤال: الى أين تتجه البلاد؟ والى أين يمكن ان تذهب الخيارات بفريق السلطة؟».