إسمَع تفرَح، دَقِّق تَحزن… هذا هو حال اللبناني مع أخبار التشكيلة الحكومية، بين حين وآخر يسمَع أنَّ هناك حلحلةً ما، أو أنَّ هناك تقدماً ما، ليكتشف لاحقاً أنَّ ما سمعه كان سراباً سرعان ما يزول لتعود بعده مرحلة الإحباط.
***
قبل سفر رئيس الجمهورية العماد ميشال عون إلى ستراسبورغ والرئيس المكلّف سعد الحريري إلى لاهاي، قيل الكثير إنَّ أمور تشكيل الحكومة مجمدة إلى ما بعد عودتهما. انتهت الزيارتان، عاد الرئيسان إلى بيروت، لكن لا شيء تحرّك على مستوى عملية التشكيل، وثبت بما لا يقبل الشك أنَّ العقد التي كانت قائمة ما زالت هي إياها، سواء على مستوى العقدة المسيحية أو العقدة الدرزية أو حتى العقدة السنية.
***
الجانب الأكثر أهمية في هذه القضية أنَّ كلَّ فريق يعتبر أنَّه قدَم أقصى ما لديه من تسهيلات وأنَّه لم يعد بمقدوره تقديم تسهيلات أكثر، هذه الخلاصة تعني ما يلي:
ما يراه فريقٌ ما حقوقاً، قياساً إلى حجمه، يرى فيه فريقٌ آخر عرقلةً للتشكيل، وهكذا يتبادل جميع الأطراف التهم بالعرقلة، أما الخطر الأكبر فيتمثّل في أنَّ لا جهة قادرة على الفصل بين المتنازعين، ما يجعل الحلول على عاتق هؤلاء المتنازعين الذين لا رغبة ولا قدرة ولا نية لديهم لأية حلحلة، إذا كان هو السبب الظاهر.
هكذا، تبدو الأمور تراوح مكانها، ولا حل في المدى المنظور:
في هذه الحالة، أين يقف اللبناني العادي؟
وماذا يفعل؟
عملياً، ليس لديه سوى الإنتظار، لكنَّ هذا الإنتظار مكلفٌ للغاية، وقد بدأ يأكل من آماله وتفاؤله بأنَّ شيئاً ما يمكن أن يتحقق إيجابياً في هذا البلد.
***
إذا سلكنا النهج الواقعي، فإنه يمكن القول إنَّ ما يجري على المستوى السياسي هو محاولة تثبيت معادلات أكثر منه تسهيل عملية تشكيل حكومة:
فرئيس الجمهورية العماد ميشال عون يريد تثبيت معادلة أنه شريك في عملية التشكيل وليس مجرد موقِّع على مرسوم تشكيل الحكومة وهذا من حقه.
ورئيس الحكومة المكلّف يريد تثبيت معادلة أنَّ عملية تشكيل الحكومة منوطة به وأنَّ إعطاءه الثقة أو عدم إعطائه الثقة منوط بمجلس النواب وليس بأية جهة أخرى، وهذا من حقه أيضاً.
***
الأطراف السياسية الأخرى تريد تثبيت معادلة أنَّ نتائج الإنتخابات هي التي تحدد الأحجام الحكومية.
***
إذاً الجميع في حال من التأهب والتهيب، أما هموم الناس وهواجسهم ففي مكان آخر من اهتمامات المسؤولين، فإذا كانت كل هذه المصائب والمصاعب لا تحرِّكهم، فما هو الشيء الذي يحركهم؟
والسؤال الكبير الذي يُطرَح في المجتمع هو:
إلى أي مدى يمكن تحمُّل هذا الواقع القائم؟
البعض يقول إنَّ المؤشرات المالية والنقدية غير مقلقة، إذ هناك فائض بالمصارف من عملة الدولار وقد سبق وشرحنا، لكن ما هو مقلق هو الوضع الإقتصادي والمعيشي والحياتي، وكذلك وضع الملفات التي لم يعد بالإمكان أن تكون محل انتظار.
ومع ذلك فإنَّ عملية الكباش في البلد يبدو أنَّها مفتوحة من دون مهل، وهذا ما من شأنه أن يزيد الأمور تعقيداً بالنسبة إلى الناس، ولكن مَن يهتم للناس؟
***
لعلَّها المرة الأولى، وبشكلٍّ أدق، الأقسى، التي يمرُّ فيها البلد بكل هذه الإختبارات في آنٍ واحد:
اختبار دستوري واختبار سياسي واختبار مالي واختبار اقتصادي ومعيشي، فبأيِّ واحدٍ من هذه الإختبارات سينجح؟
وهل هناك خشية من أن تكون هذه الإختبارات مرتبطة ببعضها البعض بحيث تتأثر ببعضها، فشلاً أو نجاحاً؟
كلُّ شيءٍ وارد في هذا البلد.