السوريون والعراقيون، هم آخر من يصدق الرئيس باراك أوباما، بأن «إدارته أساءت تقدير الخطر الذي يمثّله تنظيم الدولة الإسلامية». هذه «الإساءة» ليست خطأ، إنها خطيئة، لأن حصيلتها حرب قد تمتد لثلاث سنوات أو أكثر، ولن تبقي في سوريا حجراً على حجر، ولا عائلة من دون حزن، ولا طفلاً إلا ويخيم على مستقبله العلم الناقص إن لم يكن الجهل. أيضاً، لا يمكن لسوري ولا عراقي، قبل أي إنسان في العالم القبول بأن الرئيس الأميركي المفروض أنه يقود أقوى دولة في العالم والذي يؤكد مجدداً قيادته للعالم أنه جاهل أو ساذج، إلى هذا الحد.
منذ أكثر من 24 شهراً، والسوريون والعراقيون وكل العرب، يعلنون خوفهم من أن يلد العنف والإحباط واليأس من التغيير والمساعدة إرهاباً أسود، تبدو فيه «القاعدة»، مجرد «قاعدة» لهرم لا يُعرف إلى أين سيصل ارتفاعه وقمته.
الرئيس باراك أوباما اختار إستراتيجية، ترك الجميع يتقاتلون ويتذابحون حتى يُنهكوا ويُصبحوا بحاجة اليه للحل. الآن الجميع بحاجة الى واشنطن، ويطالبون بعودتها، لكن هذه العودة، تضعها أيضاً تحت السكين. هذا الإرهاب «الداعشي» مقلق لأنه أسود لا يرحم القريب قبل البعيد.
أوباما خاض كل النزاعات والحروب من بعيد، وبخسائر معدّلها العام صفر. أشاعت واشنطن أنها تعبت من الشرق الأوسط وأنها تتجه نحو المحيط الباسيفيكي، لم تخرج واشنطن من الشرق الأوسط لتعود إليه. كل ما يحصل اليوم أنها تعزّز وجودها بطلب وإلحاح من الشرق أوسطيين من عرب وإيرانيين وأتراك. أما إسرائيل فإنها تبقى قصة مختلفة بداياتها ومساراتها مختلفة.
في الشرق الأوسط، من الممكن معرفة البدايات لكن من المستحيل معرفة التحولات فيها التي ترسم النهايات. الصورة اليوم الخاضعة في جميع الأحوال لمداخلات عميقة تصنع خطوطها وربما حدود بعضها، هي:
[العرب مستهدفون في حاضرهم ومستقبلهم، وهم يواجهون هذا كلّه وهم ممزقون وخائفون. يشاركون في حرب لم يكن يجب أن تكتب عليهم وكأنها القدر. تناحرهم وحروبهم الثنائية والمتعدّدة، وغياب أي استراتيجية ولو محدودة الطموح منذ أكثر من 60 عاماً، حوّلتهم الى أرض خصبة لكل التدخلات الخارجية، وتوالد أنواع متفجّرة من العنف الأسود. جرى ضرب العروبة التي كان يجب أن تتطوّر لتواكب العصر، فكان الفكر الأصولي والتنظيمات الإسلامية التكفيرية. العروبة كانت مؤهلة وقادرة على حماية التعددية الطائفية والمذهبية والعرقية والثقافية، فاغتيلت من الداخل والخارج معاً. مشكلة العرب أنهم يدفعون تكلفة الحرب ضد الإرهاب ولا توجد أي ضمانة لهم لكيفية نهايتها ونتائجها.
[إيران، وقعت لأول مرة في فخ نصبته عملياً لغيرها. لا يمكن لإيران الوقوف مكتوفة الأيدي في الحرب ضد الإرهاب، وفي الوقت نفسه لا يمكنها تحمل التبعية لواشنطن التي لم يجف حبر وصفها بـ«الشيطان الأكبر». طهران يمكنها أن تصبح القوة الإقليمية الكبرى وتلعب دوراً أكبر مما كان يريده الشاه أي «شرطي المنطقة»، بشرط أن تعود إلى «بيت الطاعة» الأميركي. «الرقص» خطوة الى الأمام وعشرة الى الوراء تنتج التعب والفشل في الحصول على الجائزة الكبرى وهي تمدد نفوذها إلى شرق البحر المتوسط فأفغانستان، فالجمهوريات الإسلامية السوفياتية سابقاً.
بهذا يحقّق المرشد آية الله علي خامنئي حلمه بأن يقف إلى جانب الإمام الخميني وليتمدد أكثر لتصل قامته إلى قورش.
إيران بحاجة كبيرة إلى كل مهارتها بالتعامل مع الأوراق لتنجح. لكن قبل ذلك كلّه عليها أن تدفع الثمن «للحارس»، أي الولايات المتحدة الأميركية التي عاد أوباما وأكد «قيادتها للعالم».
[تركيا. كان يمكن أن يكون موقعها أكبر وأوسع لو لم تقع الأردوغانية، أسيرة للإخوان المسلمين وفكرهم في وقت ترفض فيه السعودية فكرهم ودورهم. تركيا السنية، المختلفة مع السعودية ومصر لا يمكنها أن تفعل الكثير. لذلك سيبقى دورها وموقعها ناقصين ومحدودين.
[إسرائيل. استفادت واستثمرت كثيراً الحرب في سوريا والعراق. لكن ذلك لن يجعل منها القوة التي تفرض كلمتها. في مواجهتها إيران المعادية إيديولوجياً، وتركيا «الإخوانية» الطموحة. إسرائيل فازت فوزاً كبيراً في تدمير سوريا. كل يوم حرب في سوريا، تصبّ أرباحاً كبيرة في «الطاحونة» الإسرائيلية. سوريا لن تقوم لها قائمة قبل عقدين بعد انتهاء الحرب. هذا أكبر إنجاز تحقَّق لإسرائيل من دون أي تكلفة.
الشتاء القادم، قاسٍ. ربّما أقسى شتاء منذ عقود.