«نهضة المنطقة» شكّل عنوان المؤتمر السنوي الثالث عشر لـ»جمعية خرّيجي هارفارد العرب» والذي عقد للمرة الاولى في لبنان أمس الاول، بعدما كان له محطات في أبرز البلدان العربية، وذلك برعاية رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري وبالتعاون مع نادي هارفارد في لبنان. تعدّدت الجلسات وتنوعت محاور المؤتمر بحسب الإشكاليات المطروحة في التنمية، الاقتصاد، الطاقة، الصحة، التعليم وغيرها من الميادين.
«لا قيمة لعلم حصلنا عليه من أرقى الجامعات إن لم يُسخّر لخدمة أوطاننا». عبارة تختصر حقيقة إصرار خرّيجي هارفارد العرب على عقد مؤتمر سنوي في منطقتهم الأم. عبارة قالها رئيس جمعية خرّيجي هارفارد العرب هشام حمودة، من مصر، في حديثه لـ«الجمهورية»، وأكّدها على مسامع المشاركين من سياسيين، باحثين، طلاب، خريجين… من الجنسيات كافة.
وأضاف: «للمرة الاولى في تاريخ الجمعية نعقد المؤتمر في لبنان نتيجة إيماننا به ودعماً له في المرحلة الحالية وسط ما تَتخبّط به المنطقة من ظروف وتحديات. وفي الوقت عينه، نستلهم من لبنان القدرة على مواجهة المصاعب وعلى الاستمرار في إكمال المسيرة نحو مستقبل أفضل».
ولا يخفي د. حمودة الذي يدرّس في هارفارد، رغبة الجمعية في رفع نسبة الحضور العربي في الجامعة، قائلاً: «أكبر نسبة من الطلاب العرب هم من السعودية 33 طالباً، 26 من مصر و24 من لبنان… نطمح إلى تمثيل أوسع ليس فقط على مستوى الرقم، إنما إيماناً منّا بأهمية ما يمكن أن ينتجه الحضور الاكبر من طلاب العرب في الجامعة، لا سيما لجهة تغيير الصورة النمطية المأخوذة عن العرب بالإضافة إلى إظهار الوجه الحقيقي لمنطقتنا ولقدرات شبابها ورفع الصوت العربي في الجامعة وإيصال القضايا العربية». وأضاف: «من دون أن ننسى انّ الطلاب العرب بعدما يُنهون دراستهم في هارفارد ويعودون إلى بلدانهم الام، سيتمكون من دعم مسيرة التطور فيها والإزدهار».
60% جمهور لبناني
من جهتها، إعتبرت نائب رئيس جمعية «خريجي هارفارد العرب» كارين أبي عكر، «انّ انعقاد المؤتمر في لبنان هو حدث بحد ذاته، لأننا سعينا منذ سنوات لعقده من دون نتيجة». أما ما يميّز المؤتمر عن نسخاته الـ12 الماضية، فأوضحت في حديث لـ«الجمهورية»: «يستلزم التحضير لمؤتمرنا السنوي نحو 6 أشهر، في هذه الفترة نتعرّف إلى خصوصية البلد الذي سيُعقد فيه المؤتمر وأبرز مشكلاته والتحديات التي يواجهها. بعدها، نحدد المحاور والإشكاليات التي سنعالجها، وأبرز الضيوف المتحدثين».
وتابعت بنبرة واثقة: «لا نخشى أبداً من الوقوع في التكرار نظراً إلى انّ لكل بلد هويته الخاصة، وجمهوره. فعلى سبيل المثال بما اننا في لبنان، و60% من الحاضرين هم من الجمهور اللبناني، لا شك اننا وضعنا المحاور بما ينسجم مع التحديات التي يواجهها أو المقبل عليها مثلاً في الاقتصاد والطاقة».
وتابعت: «للشباب اللبناني ميزة خاصة في الاندفاع والإبتكار وطرح المشاريع الجديدة أو معالجة ما هو مطروح بأسلوب شيق وجديد، ما يزيد الرهان على انّ المؤتمر في لبنان لا يشبه ايّ مؤتمر سبق وعقدناه، ولكل مؤتمر خصوصية بحسب طبيعة البلد ما يُبعدنا قطعاً عن فخ التكرار».
علامة فارقة
أما بالنسبة إلى الطالبة نيكول أبي إسبر، وهي لبنانية الاصل من الكورة، قدمت خصّيصاً من جامعة هارفارد للمشاركة في المؤتمر ولإدارة إحدى جلساته، فتُعرب لـ«الجمهورية» عن حماستها، قائلة: «أنهيتُ دراستي منذ 4 سنوات في هارفارد وأتابع اليوم تخصصي لنيل شهادة الدكتوراه، لا شك انني كنت أحزن في كل مرة نعجز عن عقد المؤتمر في لبنان بسبب الظروف الامنية وتردد المشاركين في الحضور، ولكن لحسن الحظ انّ الوضع بات أفضل».
وأضافت: «أعجز عن وصف طبيعة الطالب اللبناني في هارفارد الذي يشكّل علامة فارقة في حضوره ومشاركته في شتى التخصصات واندفاعه، ما يزيدني اعتزازاً انني لبنانية الجذور».
في التفاصيل
قرابة التاسعة والنصف إفتتح المؤتمر أعماله برعاية رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري ممثلاً بوزير الاقتصاد والتجارة رائد خوري، الذي أكّد أنّ «الحكومة اللبنانيّة بكلّ مكوّناتها مصمّمة على تنفيذ الإصلاحات والأهداف الطموحة» التي تعهدت بها في مؤتمر «سيدر» في باريس مطلع نيسان الجاري، مطمئناً إلى أنّ «لبنان سينجح وسيزدهر».
وأضاف: «رغم التحديات الناتجة عن الوضع الإقليمي المضطرب، وخصوصاً الحرب السوريّة التي أدّت إلى لجوء نحو 1.5 مليون شخص في بلد يبلغ عدد سكانه أصلاً أربعة ملايين، فإنّ لدى لبنان كل الإمكانات وسيتمكن من تطبيق الإصلاحات الموعودة ونقل اقتصاده إلى المستوى الأعلى».
من جهته إعتبر حمودة «انّ انعقاد المؤتمر في لبنان يبعث رسائل مهمة، أولاها للداخل اللبناني، ومفادها أنّ العرب سيكونون دائماً وأبداً سنداً ودعماً للبنانيين، وللبنان مكانة في قلب كلّ عربيّ». وأضاف أن «الرسالة الثانية لبقية الوطن العربي لكي يستلهم من تجربة لبنان بحلوها ومرّها أن لا بديل للعرب من أن يتعايشوا رغم اختلافاتهم».
وتابع: «نحن هنا لأننا نؤمن بوطن عربيّ متصالح مع الذات ومنفتح على العالم، نحن هنا لأنه لا يكفينا أن نحلم بأن تعود بيروت لمكانتها كباريس الشرق، بل بسواعد أبنائها سيأتي يوم تُعرّف فيه باريس بـ«بيروت الغرب».
ورأى المدير التنفيذي لجمعية خرّيجي هارفارد، فيليب لوفجوي، أنّ المؤتمر «مثال لِما تختزنه شبكة خرّيجي هارفارد من قدرات وتأثير». مشيراً إلى أنّ «مناقشة التحديات والفرص وإيجاد الحلول والمشاركة في حوار لتبادل الأفكار، هي من أهم مبادىء هارفارد». ولفت إلى انّ الجامعة «تضمّ حالياً 330 طالباً من مختلف أنحاء الشرق الأوسط وشمال افريقيا، وعدد الخرّيجين من المنطقة نحو 4000».
أما أمينة سر نادي هارفارد في لبنان جيهان خطّار فلفتت إلى «أنّ النادي الذي تترأسه الدكتورة ليلى رستم شحادة، يضم نحو 100 من خرّيجي هارفارد، ويتولى تنظيم أنشطة تهدف إلى الحوار وتبادل الأفكار».
«الإقتصاد والمال»
تحت عنوان «مستقبل لبنان الاقتصادي والمالي» إنطلقت الجلسة الاولى التي ترأسها الرئيس الفخري لنادي خرّيجي هارفارد لبنان، وتحدث فيها وزير الاقتصاد والتجارة رائد خوري، الوزير السابق ألان طابوريان، رئيس مؤسسة تشجيع الاستثمار «إيدال» نبيل عيتاني، رئيس قسم الابحاث في بنك «عودة» مروان بركات.
تحدث خوري، بداية، عن «انّ الاقتصاد اللبناني كان مبنياً على تحويلات اللبنانيين من الخارج وقد يكون ذلك ايجابياً او سلبياً، إنما نجح لبنان في تمويل هذا الدين من التحويلات». وشدد على انه «يجب القيام بالتخطيط وتغيير هيكلية النظام الاقتصادي القائم على الاستهلاك». أما عيتاني فقال: «واجَه لبنان صعوبات نتيجة المتغيّرات التي طرأت على بيئة الاستثمارات بسبب النزاع في سوريا، والتي انخفضت من 5% في العام 2010 الى ان وصلت الى 2.4 بالمئة العام 2015».
ولفت إلى «انّ لبنان يزخر بالقدرات لاجتذاب الاستثمارات، إنما علينا اولاً ان نعمل على توفير فرص الاستثمار من خلال ايجاد شبكة من البنى التحتية واتخاذ الاجراءات الفعلية في هذين المضمارين». من جهته إعتبر بركات «انّ المؤتمرات الدولية التي انعقدت مؤخراً من شأنها تعزيز العوامل المالية، الّا انها غير كافية من اجل ان نحوّل الاقتصاد الراكد الى اقتصاد مزدهر»، مشدداً على «انّ التعافي يحتاج الى إصلاحات اقتصادية ومالية وضرائبية».
أما طابوريان، فاعتبر «انّ جوهر المشكلات في اقتصادنا هو قيام الاقتصاد الريعي الذي تستفيد منه أقلية على حساب الاكثرية، بتواطؤ معظم أقطاب الطبقة السياسية التي تقوم على الانظمة التقليدية القائمة على الطائفية».
الطاقة
أما الجلسة الثانية فكانت بعنوان «التحديات والفرص أمام قطاع النفط والغاز في لبنان»، أدارَتها رينا قسطنطين، وشارك فيها وزير الطاقة والمياه سيزار أبي خليل، الوزير السابق ناصر السعيدي، شريك في أبو جوده وشركاه للمحاماة ثريا المشنوق، والمديرة التنفيذية للمبادرة اللبنانية للنفط والغاز ديانا قيسي.
في مداخلة له، قال أبي خليل: «نحن في طور الانتهاء من وضع قانون الشفافيّة في قطاع النفط، علماً أنّ معظم بنوده موجودة في مبادرة الشفافية في الصناعات الاستخراجية والمستندات الأخرى. ونحن وفق تأكيد وكالات دوليّة عدّة متطابقون بنحو 90% مع متطلّبات مبادرة الشفافيّة، وتبقى بعض الإجراءات الواجب اتخاذها ونعمل عليها».
أمّا السعيدي فلفت إلى «بروز حاجة لقانون مناقصات عموميّة جديد لأنّ الحالي أصبح قديماً»، وإلى ضرورة ان تحرص الحكومة على «إبقاء الثروة النفطيّة متوافرة للأجيال المستقبليّة وليس للجيل الحالي فقط».
محطات غنية
وشهد المؤتمر محطات غنية ضمن جلسات متتالية، تمحورت حول سبل خلق مواطنين بوسعهم التغلّب، من خلال التعليم، على المطالب المتزايدة لاقتصاد سريع التطور. بعدها، حقوق الانسان العربي والحوار بين الثقافات، يليها الصحة العربية، مستقبل العمل، السعادة والرفاهية، تجاوز الحدود والحواجز في المنطقة العربية، ريادة الاعمال في العالم العربي.
يذكر انه قبل يوم من عقد المؤتمر، نظمت الجمعية ندوة مفتوحة للراغبين في الالتحاق في جامعة هارفارد، وتولى عدد من الموظفين المسؤولين عن التسجيل في الجامعة الاجابة عن استفسارات الطلاب ومساعدتهم في ملء طلبات الانتساب إلى الجامعة، وذلك بعدما قدّمت مجموعة من أعضاء الجمعية نبذة عن تجربتها خلال تخصّصها في «هارفارد» بطريقة تفاعلية وفيديوهات مصورة عن الحياة اليومية داخل جدران ذاك الصرح التربوي العريق.