عيبٌ… والله عيب: عيبٌ وطني وشرعي وقانوني وأخلاقي، أن تستمر الجمهورية على مدى عشرة أشهر بلا رأس، فيما فرسان الجمهورية ينتصبون أمام مجلس الشعب كأنهم تماثيل من الشمع، والتماثيل غالباً، لا تقام إلّا للموتى.
عيبٌ… والله عيب، أن تستمر الجمهورية مقطوعة الرأس على يد «داعش» دستوري، والمجلس النيابي كمثل كشَّاش الحمام لا تقوم شهادته إلا عند التجديد لنفسه، والحكومة مخلوق عجائبي يحمل أربعةً وعشرين رأساً متلاطماً، كلُ وزير فيها حاكمٌ عرفيٌّ منفرد، قادر على تعطيل قرارات الدولة بما يشبه الديكتاتورية الفردية.
من المخجل، أن تستمر قيادة القيادات، وحزبية الأحزاب، وزعامة الزعماء، وشريعة النواب، وشرعية الوزراء، في جمهورية مشوهة بلا رأس، يختلّ فيها جوهر النظام وتوازن الصيغة وميثاق المشاركة، فإذا الدستور والقوانين والمؤسسات كما الجواري، رهائن اغتصاب في حرم السلطان، وإذا الدولة، هي تلك التي يصفها إبن خلدون بأنها دولة على المجاز، ليس لها إلّا إسم الدولة.
كنا نخجل بشيء من العيب المستتر، عندما يكون هناك تدخّل خارجي، لترجيح حظوظ مرشح رئاسي ضدّ مرشح رئاسي آخر.
وكنا نشعر بشيء من العيب الخجول حين كان يتردّد أن الإنتخابات الرئاسية الوحيدة التي لم تكن صنيعة الخارج في لبنان هي تلك التي فاز فيها الرئيس سليمان فرنجية.
أما العيب كلُّه فهو أن نتخلّى كليّاً عن استحقاقاتنا الدستورية، وعن لبنانيتنا الكلّية، وحقوقنا الشرعية، كمن يعلن بكامل قواه العقلية والجسدية أنه يتنازل طوعاً عن استقلاله وسيادته، لمصلحة خارجٍ محتلّ، وآخر مغتصب، وثالث منتدب.
حين تتحقق عندنا الإستحقاقات الدستورية في عهد الإنتداب الفرنسي والوصاية السورية، فيما نعجز عنها مع الحكم الذاتي وبلوغ سن الرشد، فهذا يعني أننا رحّالة سياسيون نطوف بذاتنا الوطنية مع إبن بطوطة لنعرضها حقاً إرثياً على ملوك العالم وبلاد فارس والعرب، بما كان يدّعيه الملك هنري الثامن نقلاً عن أجداده الملوك الإنكليز بأن لهم الحق في تاج فرنسا.
ألا يحق للتاريخ أن يسألنا: متى نتخلّى عما يدعيه الملك هنري إرثاً عندنا لأجداده، لنحفظ نحن ولو لمرةٍ واحدة إرث أجدادنا؟