«لبنان بلد التسويات والمخارج»، هذا ما نُقِل بالأمس عن الرئيس نبيه بري، مهما تعقّدت «بيحلّوها»، لن تكون أول وآخر حكومة ولا آخر حكومة يتعقّد تشكيلها أو يتأخّر، مع الأسف هذا البلد «معقّد ومكلكع» في كلّ أموره، ومع هذا يستمر بقدرة قادر على الحياة…
في الـ 30 من آب العام 2017، كتبنا في هذا الهامش نفس العنوان، كان يوم الوقوف بعرفات في موسم الحجّ الماضي، واسمحوا لنا أن نستعيد ما كتبناه ونزيد عليه، فإنّ هذه العشر من ذي الحجة هي أفضل أيّام الدنيا، هي أيام تكبير وتهليل وتحميد وتسبيح، يكاد يشعر فيها المرء أنّ جسمه هنا وروحه هناك تطوف بالبيت وتلبّي مع الحجيج «لبّيك اللهم لبّيْك»…
للمفارقة لم نكن نعرف في العام الماضي أنّ أغنية السيدة أم كلثوم «القلب يعشق كلّ جميل» لحّنها لها، وقبل الموسيقار رياض السنباطي مطلع السبعينات، الشيخ زكريا أحمد لكنّها لم تغنّها بسبب الخلاف القضائي الذي نشب بينهما واستمر عشر سنوات، وعلى وجه التقدير يكون الشيخ زكريا قد لحنّها لها مطلع خمسينات القرن الماضي، لأنّ شاعر القصيدة بيرم التونسي توفي في 5 كانون الثاني عام 1961 ولحق به توأم روحه الشيخ زكريا بعد أربعين يوماً في 14 شباط العام 1961.. وللمفارقة أيضاً يكون هناك لحنان وضعهما الشيخ زكريا أحمد لأم كلثوم وضاعا لعدم تسجيلهما، الأولى القلب يعشق كلّ جميل، والثانية أراك عصيّ الدمع التي لحنها لها منتصف الأربعينات ولسبب ما لم تسجّلها السيدة!
حجّ بيرم التونسي، وأثناء طوافه بالكعبة الشريفة رأى الحمام الحمى يطوف فوق الطائفين، انهمرت دموعه وأخذته روحانية المكان ولما رجع من حجّه كتب أغنية «العين تعشق كل جميل» وأعطى القصيدة للشيخ زكريا أحمد ليلحنها وعندما عرض الأغنية على أم كلثوم اعترضت على بعض الجمل اللحنيّة ثم وقع خلافهما الشهير، فظلّت الأغنية فى «الدرج» إلى سنة 1969 إلى أن شاء الله أن تكون من نصيب الموسيقار رياض السنباطي لتخرج إلى النور عام 1973.
عشر سنوات، أعاد فيها السفير السعودي أواخر الستينات في مصر تحفيز أم كلثوم بسؤالها: لماذا لا تقدمي أغنية عن الحج يتغنى بها الحجاج والمسلمون في كل مكان؟ اقتنعت أم كلثوم بالفكرة وعرضتها على السنباطي، وعندما واجهته مشكلة البحث من شاعر يكتب النصّ وقبل مرور أسبوع رنّ جرس الهاتف في بيته ليأتيه صوت أم كلثوم وتقول له أنا وجدت الأغنية… انبهر السنباطي بالأغنية واعتكف لمدة شهرين تقريباً لتلحين الأغنية وبعد انتهائه من اللحن، طلب من أم كلثوم تحديد موعد البروڤات مع رئيس فرقتها عازف القانون الأول محمد عبده صالح حيث تم التسجيل في ستوديو 46 بالإذاعة بحضور مندوب صوت القاهرة الذي تلقف الشريط وطبع منه آلاف الأسطوانات، وتغنت بها السيدة مطلع العام 1972 لتنتشر في جميع الأسواق العربية، وتسعد أم كلثوم بإبداعات السنباطي اللحنية خصوصاً في مقطع مكة المكرمة وتغني معه في الأستوديو.. مكة وفيها جبال النور.. طالّة على البيت المعمور.. دخلنا باب السلام.. غمر قلوبنا السلام.. بعفو ربّ غفور.. فوقنا حمام الحِمى.. عدد نجوم السما.. طاير علينا يطوف ألوف تتابع ألوف.. طاير يهنّي الضيوف بالعفو والمرحمة.. واللي نَظَم سيره واحد ما فيش غيره».
طلب السنباطي استراحة لبعض الوقت حتى تستعد أم كلثوم لغناء مقطع المدينة المنورة الذي أبدعه بيرم بأحلى ما يمكن كتابته شعراً وجسّده السنباطي لحناً… «جينا على روضة هالّة من الجنّة.. فيها الأحبة تنول كلّ اللي تتمنى.. فيها طرب وسرور.. وفيها نور علي نور.. وكاس محبة يدور.. واللي شرب غنّى»..
آخر ما غنّته أم كلثوم على المسرح كان أغنية القلب يعشق كل جميل في الوصلة الثانية من حفلها في أول خميس من شهر كانون الثاني عام 1973 في آخر لقاء لها مع الجمهور، وبها ختمت عمراً وعصراً من الغناء ظلّل فيه صوتها القرن الماضي، وسيبقى.