… وأخيراً، عملها «السيّد» وأعلن تأييد عودة رئيس تيّار المستقبل إلى السراي الكبير، وذلك بعد يومين من إعلان الرئيس سعد الحريري تأييده للعماد ميشال عون في السباق الرئاسي.
ما جاء في خطاب أمين عام «حزب الله»، أمس، يُعتبر الخطوة الثانية من المسار المتفق عليه بين «بيت الوسط» و«الرابية»، والذي كانت خطوته الأولى التبني الحريري العلني لترشيح الجنرال.
ولكن بين الخطوتين مسافة كبيرة على أرض الواقع السياسي، رغم قصر المدة الزمنية التي فصلت بين حدوثهما.
ويمكن تصوير المسافة السياسية الكبيرة، بكمّ من المفاجآت أو التطورات غير المحسوبة، من جهة، وبشيء من الالتزامات والضمانات التي لا بدّ منها، لتصبح الأمور أكثر وضوحاً، وأكثر اقتناعاً، خاصة بالنسبة لجمهور تيّار المستقبل وأعضاء كتلته النيابية.
لقد أصبح واضحاً أن الرئيس سعد الحريري قرّر ركوب «المركب الخشن»، وتأييد العماد عون للرئاسة، رغم كل ما سمعه من نواب وفاعليات، ورغم كل ما بلغه من تململ واعتراض في صفوف قواعده الشعبية الواسعة، سعياً لإخراج البلد من دوّامة الشغور الرئاسي، ووقف الاهتراء المتمدّد في إدارات الدولة، وهيكل الاقتصاد الوطني.
على أن يُقابل الفريق الآخر هذه المبادرة، بما يتوجّب عليه من ملاقاة صاحبها في منتصف الطريق، عبر الالتزام بنتائج الاستشارات النيابية الإلزامية، وعدم عرقلة تكليفه تشكيل حكومة العهد الأولى.
* * *
وإذا كان التكليف يبقى بحكم الحاصل حتماً، نظراً لكتلة «المستقبل» النيابية الكبيرة، وتأييد بقية الحلفاء والأصدقاء، فإن التأليف يبقى هو المحك الأوّل لمدى مصداقية التعهدات والالتزامات التي حكمت المسار الرئاسي الجديد، وإنهاء الشغور في قصر بعبدا.
لسنا بوارد الحكم مسبقاً على النوايا، ولا نريد الذهاب مع المشككين بصدقية وسرعة تسهيل تأليف الحكومة الحريرية الأولى للعهد العتيد.
ولكن لا بدّ من القول أن التيار العوني ومعه حليفه اللصيق «حزب الله»، أمام منعطف حاسم: إما المضي قدماً في عملية الإنقاذ الوطني، وتجنب الوقوع في المحظور، وإما سيتحملان المسؤولية الوطنية والتاريخية عما ستؤول إليه الأوضاع في حال النكوث بالالتزامات والعهود، وعرقلة تأليف الحكومة.
إن محاولة نقل مشكلة الشغور من رئاسة الجمهورية إلى الحكومة بما تمثل دستورياً من سلطة تنفيذية، منوطة بها مهمات إدارة الدولة وتسيير شؤون الناس، يعني وجود نوايا مبيتة لافتعال أزمة حكم متمادية، يواكبها قرع متصاعد لطبول المؤتمر التأسيسي المزعوم!
لأول مرّة منذ عشر سنوات، يبدو لبنان أمام فرصة ذهبية للخروج من دوّامة أزمته الداخلية، والعمل على تحصين الجبهة الوطنية، في حال صدقت نوايا الفريق الآخر، ولم تجهض مبادرة الحريري في منتصف الطريق، كما حصل مع المبادرات السابقة!
لذلك قلوب اللبنانيين على التأليف… لا على التكليف!