«وجوهكم أقنعة بالغة المرونة/ طلاؤها حصافة، وقعرها رعونة/ صفّق إبليس لها مندهشاً، وباعكم فنونه/ وقال: إني راحل، ما عاد لي دور هنا، دوري أنا أنتم ستلعبونه»، مُعذَّبَة ومُعَذِّبَة هذه المنطقة التي قُدرت لنا الولادة فيها، أينما وجّهتَ وجهك ألفيت شعوب بلدانها مسلوبة منهوبة تصارع حتى الرمق الأخير لتعيش ويعيش أبناؤها كفاف أيامهم، وفي أيامهم ما يكفي من الذلّ والفقر والتآمر ما يدفع شعوباً تنحر نفسها من القهر، هل هذا هو ما قُدّرَ لنا، أم هو القيل والقال وتبادل التهم ومسؤوليات القتل والهرج والمرج والتباس الصور علينا واختلاطها وإحساسنا بالعجز التام والاستسلام؟!
«لاَ تَضَعْ يَدَكَ مَعَ الْمُنَافِقِ لِتَكُونَ شَاهِدَ ظُلْمٍ» [يعقوب ٣:١٤]، من قبلنا قالوا «الوقت حلال المشاكل»، وفي العالم العربي ولبنان الوقت مهدور ولا يحلّ مشكلة، ووصف من قبلنا حالنا فقالوا: «الفقر كابس والرزق حابس»، وأسوأ من هذين المثليْن ما يختصر حالنا العربي بفجاجة «بين السّابق والمسبوق دقة خازوق» والمنطقة جالسة عليه منذ زمن بعيد وستبقى حتى تلفظ أنفاسها، تماماً مثلما كان يفعل أمير والاكيا فلاد الثالث أو فلاد المُخَوْزِق بضحاياه، [أحد أفراد عائلة دراكوليشتي التي تُمثّل بدورها فرع من أفرع عائلة باسراب المتشعّبة، والذي اشتُهر بلقب دراكولا قبل أن يُطلق عليه اسم فلاد المخوزق].
المشروع الإيراني مستمر في المنطقة كلّها، واليمن ذروة هذا المشروع، سواءً لبس اليمن وجه الإشتراكية في ستينات القرن الماضي أو لبس وجه الإمامة الزيدية أو الإثنيْ عشريّة في صعدة، المسار عمره من الأطماع الفارسية باستعادة ملك كسرى، وهذه الأبيات لشاعر اليمني أحمد محمد الشامي وعمرها ما يقارب النصف قرن تختصر المشهد العربي في صراعه مع الفرس: «قل لصنعا والقصور العوانس/ إننا سادة أباة أشاوس/ سنعيد حكم الإمامة إمّا/ بثوب النبي أو بأثواب ماركس/ وإذا خابت الحجاز وصعدة/ فلنا إخوة كرام بفارس»!
حال العالم العربي في هذا النفق المظلم يستوجب تأملنا في أشهر خطبة لأشهر قساوسة مكّة قبل الإسلام، قس بن ساعدة الأيادي وإلى استعادة خطبته الشهيرة في سوق عكاظ: «أيها الناس، اسمعوا وعوا، وإذا سمعتم شيئاً فانتفعوا، إنه من عاش مات، ومن مات فات، وكل ما هو آت آت. إن في السماء لخبراً، وإن في الأرض لعِبَراً (…) ما لي أرى الناس يذهبون ولا يرجعون؟ أرَضَوْا بالمقام فأقاموا أم تُرِكوا هناك فناموا؟ تباً لأربابِ الغافلة والأمم الخالية والقرون الماضية (…) يا معشر إياد، أين الآباء والأجداد؟ وأين المريض والعوّاد؟ وأين الفراعنة الشداد؟ أين من بنى وشيّد، وزخرف ونجّد؟ أين من بغى وطغى، وجمع فأوعى، وقال أنا ربكم الأعلى؟ ألم يكونوا أكثر منكم أموالاً، وأطول منكم آجالاً؟ طحنهم الثرى بكَلْكَلِه، ومزّقهم الدهر بتطاوله، فتلك عظامهم بالية، وبيوتهم خاوية، عمرتها الذئاب العاوية».