قمّة هلسنكي لم تصل إلى تصوّر نهائي حول حل معضلة الوجود الإيراني في سوريا
عملية «داعش» المركّبة في السويداء تهزّ مصداقية النظام وتُعيد بناء الحسابات
في التداعيات السياسية، بمعزل عن تبادل الاتهامات حول الجهة الاستخباراتية التي تقف وراء «داعش» في العملية المركبة التي تبناها في السويداء، وتضمنت هجمات انتحارية في قلب المدينة تزامناً مع هجمات لانغماسيين على مجموعة قرى في الريف الشرقي الواقع تحت سيطرة النظام على أقصى خط التماس مع البقعة الجغرافية التي يتواجد فيها التنظيم في بادية السويداء، فإنها تُشكّل ضربة لنظام بشار الأسد وتهز صدقية قدرته التي يعمل على إظهارها في الجبهة الجنوبية، متجاهلاً أن ما حققه من عودة سيطرة قواته إليها حتى الحدود الدولية ما كان ممكناً لولا تفاهم جنوب سوريا الذي تم بين أطراف أربعة هي: روسيا وأميركا وإسرائيل والأردن، ويشمل كلاً من محافظات القنيطرة والسويداء ودرعا. كما أنها تشكل إحراجاً وإرباكاً لروسيا الدولة الضامنة لعملية تنفيذ التفاهم وحمايته.
القراءات تنصبّ حول مغزى التوقيت وأهدافه والرسائل المُراد إيصالها من العملية التي وإن كانت تحمل توقيع «التنظيم» إلا أن ثمة جهات رسَمَت وغضّت الطرف وسهّلت وحدّدت الزمان والجغرافيا المستهدفة، وتراهن على انعكاسات اهتزاز البيئة الدرزية التي استطاعت منذ اندلاع الحرب السورية التعامل مع المتناقضات في المشهد السوري والسير بين النقاط للحفاظ على المنطقة التي تُشكّل فيها ثقلاً ديموغرافياً في واقع سياسي – جغرافي معقد ودقيق.
قد تجد قراءة ما جرى، من زاوية محاولة خلق حال من الترهيب في البيئة الدرزية لدفعها إلى مزيد من انخراط شبابها في قوات النظام والتحاق المتخلفين عن الخدمة العسكرية والذين يقدرون بالآلاف بغية سد النقص في قوات النظام، أرضية نظراً إلى أن الجهة المستفيدة ستكون النظام، ولكن القراءة المقابلة تجد أرضية لها كذلك، حين تعتبر أن النظام خسر كثيراً من صُدقيته في هذه المجزرة التي سُفكت فيها دماء مدنيين أبرياء أخذوا على حين غرة وهم في كنف الأسد، في وقت كان يحاول المراكمة على وهج ما يعتبره انتصاراً يصبّ في خانة تثبيت شرعيته وموقعه بعدما مشت القوى الإقليمية والدولية بقرار إعادة تأهليه وتأهيل المؤسسة العسكرية تحت مسؤولية الروس، كمقدمة لتهيئة المناخات لإطلاق العملية السياسية وفي مقدمها وضع دستور جديد للبلاد من شأنه أن يرسم معالم سوريا المستقبل. تلك القراءة لا تستبعد أن يكون هجوم السويداء، الذي استفاد منفذوه من كونها خاصرة رخوة ومن خصوصيتها الحساسة، رسالة ضغط على وقع المفاوضات الدائرة بين الروس والإسرائيليين حول مدى انسحاب الميليشيات الشيعية التابعة لإيران من منطقة الجنوب، والتي رفضت فيها تل أبيب عرضاً روسياً لانسحاب أذرع إيران العسكرية مسافة 100 كلم عن الجولان.
تشير المعلومات إلى أن إسرائيل تتمسّك بشرط انسحاب إيران وأذرعها انطلاقاً من إدراكها أن أي مساومة في هذا الموضوع تعني تطويق حدودها من جانبين. فهي تعي أنها مطوقة عملياً من لبنان، ولن تقبل – تحت أي ظرف – تطويقها من سوريا. النقاش دار حول دوافع بقاء الصواريخ الإيرانية في سوريا إذا كانت المحادثات الدائرة هدفها إعادة الأمور على الحدود مع إسرائيل إلى ما كانت عليه قبل الثورة السورية. أما التذرع بأن إيران جزء من الحرب على الإرهاب، فذلك لا يعتمد على الصواريخ بل على سلاح جوي يدعم العمليات البرية. وذهبت المحادثات الإسرائيلية – الروسية إلى أن انسحاب إيران لمسافات محددة لا يشكل ضمانة لأمن إسرائيل لأنها قد تتسلل، سواء من داخل سوريا أو من الحدود اللبنانية – السورية، إلى مناطق محظورة عليها لتنفيذ هجمات صاروخية ضد إسرائيل.
وذهبت تل أبيب إلى إثارة مسألة الحدود اللبنانية – السورية لطرق باب صواريخ «حزب الله» المخزنة في لبنان واستمرار خطرها على الأمن الإسرائيلي، وهو أمر عمل الروس على عدم ربطه بموضوع قواعد ومخازن وتواجد وحتى مصانع ميليشيات إيران في سوريا، ذلك أن مسألة الحدود اللبنانية – الإسرائيلية يضمنها القرار الدولي 1701 الذي ينص من بين بنوده على منع تواجد أي ميليشيات في جنوب الليطاني، وبالتالي فإن أي خرق له تعود معالجته إلى مجلس الأمن والذي تتحرّك روسيا عندنا في إطاره.
وفق المعطيات، لم تصل قمة هلسنكي وما تلاها من محادثات إسرائيلية – روسية إلى نهائيات حل معضلة الوجود الإيراني في سوريا بالشكل الذي يضمن نجاح التفاهم الراهن ويفتح الباب أمام تفاهمات أبعد. شكّلت محادثات سرية إسرائيلية – إيرانية غير مباشرة ومحادثات روسية – إسرائيلية اختراقاً ملموساً لجهة انسحاب الميليشيات الشيعية، لكنها غير كافية بالنسبة لتل أبيب وأميركا اللتين تُركَت لهما مسألة التعامل مع الوجود الإيراني، فيما تولى عدد من الدول العربية النقاش مع روسيا والنظام في المسائل الأخرى في ضوء قرار إعادة تأهيل نظام الأسد.
تؤكد شخصية أمنية – سياسية مقرّبة من النظام السوري أن الأسد، بعدما عزز وضعه، ذاهب في مسار تشددي حيال تركيا من جهة، وحيال الأردن ولبنان من جهة أخرى والدول العربية التي عملت على إسقاطه بدعمها للثورة، وأنه لن يسمح بالتالي بفتح معبر نصيب على الحدود السورية – الأردنية، الذي هو الرئة الاقتصادية لعمان وبيروت، قبل أن يحصل على ثمن سياسي يتمثل بعودته إلى الجامعة العربية. غير أن مطلعين على كواليس مواقع قرار خليجية يشككون في قدرة الأسد على استعمال معبر نصيب كورقة ضغط توصلاً إلى تلك المقايضة، ذلك أن قرار عودة العلاقات العربية – السورية، التي ستظلل عودته إلى الحظيرة العربية مرهون بأجندة تتضمن ثلاثة مطالب أساسية، أولها إعلان وقف إطلاق نار شامل يُستثنى منه محاربة التنظيمات الإرهابية، وثانيها، إعلان عفو عام شامل يتم اتخاذه حين تحط الحرب أوزارها، ويشكل مقدمة لرأب الصدع والشرخ الذي تنتجه الحروب، ولا سيما لجهة العفو عن المنشقين من الجيش والمتخلفين عن التجنيد وعن الالتحاق بالقوى النظامية، وثالثها، وضع آليات لعودة اللاجئين. وهو مطلب رئيسي وحيوي ليس فقط للدول العربية بل أيضا للدول الأوروبية والغربية عموما.
من هنا يبرز قرار قمة هلسنكي في شأن عودة اللاجئين السوريين إلى ديارهم وتحديداً إلى قراهم، ويكتسب التحرّك الروسي أهمية كبرى كونه الجهة التي ستتولى رعاية هذه المسألة وسط توافقات على عودة مليوني لاجئ في مرحلة أولى، على أن يتم في مرحلة ما بعد حل وضع محافظة إدلب, العمل على إعادة ثلاثة ملايين نازح إلى مناطقهم، فيما سيتم لاحقاً البحث في كيفية تأمين المستلزمات لعودتهم في إطار عملية إعادة الإعمار.
«خارطة الطريق» التي رُسم بعض من خطوطها وما يزال بعضها الآخر قيد الإنجاز، يتوقع أن تأخذ وقتها للتنفيذ، من دون استبعاد إمكانية أن تصاب بنكسات خلال عملية التنفيذ وعراقيل نتيجة تعقيدات اللاعبين وتضارب مصالحهم. على أن السقوف الزمنية تذهب إلى ربيع 2019 حيث ينتظر معه أن تكون الصورة أكثر جلاء لجهة ما قد تكون أسفرت عنه التوترات الأميركية – الإيرانية المرشحة أن تترجم بأشكال مختلفة متصاعدة خلال الأشهر المقبلة.