Site icon IMLebanon

حملة «حزب الله» أحيت الإنقسام السياسي

 وأعطت صورة سلبية للخارج على أبواب تنفيذ مؤتمر «سيدر»

مكافحة الفساد تنطلق من حملة متوازنة وليس من باب الإستهداف السياسي المعهود لأطراف محدَّدة

 

في غمرة اشتداد الصراع الاقليمي بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران والعقوبات المتدرجة على النظام الايراني والحزب معاً، يخشى أن يستعمل لبنان كساحة لتصفية الحسابات كما حدث في السابق.

 

 

لم تنفع إطلالات الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في إعطاء دفع لما يسميه زوراً حملة مكافحة «الفساد» في كسب ثقة عموم النّاس والتفاهم من حولها، باستثناء مؤيديه العاديين، في حين تقابل من أكثرية النّاس بمزيد من انعدام الثقة بالحزب الذي نشأ على سلوكيات القفز فوق مؤسسات الدولة وتجاوز الدستور والقوانين والامتناع عن تنفيذ الاحكام والقرارات القضائية في حق المطلوبين للعدالة، بل أكثر من ذلك التعدّي على النّاس بسلاح الحزب في كثير من الوقائع والأحداث التي عاشها لبنان طوال العقود الثلاثة الماضية.

فحملة مكافحة «الفساد» المستجدة هذه تفتقر إلى أبسط مقومات الصدقية ومعايير حيازة ثقة النّاس، لأنها ترتكز على مبدأ الاستهداف السياسي لخصوم الحزب التقليديين بأساليب مستجدة، تستبعد هذه المرة استعمال سلاح الحزب غير الشرعي مباشرة ضدهم كما كان يحدث من قبل، وتحاول هذه المرة سلوك طريق القضاء، لاظهار الحزب وكأنه يلتزم بالقوانين ظاهرياً، بينما يعرف الجميع إمعانه في ممارسة الضغوطات والترهيب بشكل مباشر وغير مباشر للتأثير على مجريات العمل القضائي في أكثر من حادثة حصلت ورفضه تسليم المطلوبين لديه إلى الدولة وما أكثرهم.

ماذا حققت حملة «حزب الله» في ما يسمى بحملة «مكافحة الفساد» هذه حتى اليوم؟

أدت حملة الحزب الذي انتقى بحملته مسألة خلافية قديمة تتعلق بظروف وطرق صرف مبلغ 11 مليار دولار طوال سنوات طويلة على الدولة وكأنها قد سرقت وأهدرت طوال تسلم رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة لمهامات رئاسة الحكومة، في إطار حملة متجدّدة هذه المرة بعد ان كان الحزب قد نزل بقده وقديده لتطويق السرايا الكبير قبل السابع من أيار وبعده لاستهداف السنيورة ولم تنفع في تراجعه أو انكفائه للحزب بالرغم من كل الضغوطات، وبقي متمسكاً برفضه للسلاح غير الشرعي والمحافظة على وحدة الدولة وقرارها واصراره على تأسيس المحكمة الدولية لملاحقة والاقتصاص من المتهمين والمشاركين باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري التي باشرت مهماتها وباتت على قاب قوسين من إصدار حكمها بالقضية.

فما من عاقل يصدق ان مبلغ 11 مليار دولار أهدر هكذا كما يدعي الحزب وبعض حلفائه الموتورين زوراً، وإلا من أين كانت تصرف الدولة على تسيير أمورها كل هذه السنوات التي صرف خلالها هذا المبلغ!.

حملة الحزب المتلبسة زوراً مكافحة «الفساد» أدت إلى تأجيج الانقسام السياسي من جديد بعد ان خفت حدّته بفعل سلسلة من الأحداث المتتالية والتسوية الرئاسة التي أنهت أكثر من سنتين من تعطيل انتخابات رئاسة الجمهورية قسراً وبسلاح «حزب الله» أيضاً وتأليف حكومة الوحدة الوطنية بعدها، وظهرت مؤثراته السلبية في تشويه صورة الواقع السياسي الداخلي وكأن كل طرف يعمل لوحده داخل الحكومة الحالية، ويبدو ان الهدف هو إعطاء انطباع سيئ عن الوضع الداخلي للخارج في غمرة الاتصالات والتحركات للمباشرة في تنفيذ مقررات «سيدر» ووضعها موضع التنفيذ العملي لإعادة إنعاش الوضع الاقتصادي وتحفيز عملية النهوض العام.

فهذه ليست المرة الأولى التي يسلك فيها «حزب الله» مثل هذا المنحى السلبي لتسميم الجو السياسي وتأجيج الانقسامات السياسية عشية تنفيذ مقررات مؤتمر بحجم مؤتمر «سيدر»، وقبلها لجأ إلى اسلوبه المعتاد لتعطيل مقررات مؤتمر «باريس- 2» عندما نفذ ما اسماها يومئذٍ العملية «التذكيرية» في مزارع شبعا أبان الاستعدادات لتنفيذ قرارات المؤتمر المذكور والنتائج السلبية التي تسببت بها تلك العملية في توتير الجو السياسي الداخلي واحياء الخلافات وبالتالي تعطيل كل الخطوات الإصلاحية المطلوبة لإنجاح مؤتمر «باريس2» بالتعاون والتنسيق مع قوات النظام السوري التي كانت تتحكم بالوضع الداخلي آنذاك.

أما محاولة الزج بالقضاء، في قضية خلافية كهذه، يخشى ان يكون الهدف منها كذلك إلى احراج القضاء واضعافه، إمعاناً في اضعاف واستهداف مؤسسات الدولة التي كانت باستمرار من ضمن سعي الحزب لتجاوزها واضعافها في أكثر من مكان.

فلو كان الحزب جاداً في تنفيذ حملة مكافحة «الفساد» التي يشكو منه أكثرية اللبنانيين ويطالبون بوضع حدٍ له، لكان انتهج طريقاً مغايراً لسلوكية الاستهداف لخصومه السياسيين المتأصلة بداخله، وعمل داخل الحكومة ضمن خطة وطنية شاملة ترتكز عى أسس موضوعية  ومتوازنة تشمل كل قضايا الفساد المشكو منها والمطروحة على بساط الشك والملاحقة ولا تقتصر على طرف دون الآخر أو تشمل فئة محددة لغايات ما، وعندها يُمكن الوقوف بمثل هذه الحملة التي تنفيذ على مستوى الوطن كلّه ويؤمل منها أن تحقق نتائج ملموسة.

أما ما يحصل حالياً، فيطرح تساولات وتكهنات عديدة حول ما تخفيه مثل هذه الحملة الملتبسة من  أهداف مبطنة وغير محمودة في غمرة اشتداد الصراع الاقليمي الدائر بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران والعقوبات المتدرجة التي تفرض على النظام الايراني والحزب معا، ويخشى أن يستعمل لبنان كساحة من ساحة تصفية الحسابات من خلالها كما حدث في السابق.

ولذلك، وبالرغم من التعبئة السياسية والإعلامية لمواكبة ما يسميه الحزب بجملة مكافحة «الفساد» هذه ومع انها تسلك المنحي القضائي، ألا انها وبكل الأحوال لن تفلح في تبييض صفحة ا لحزب وتقلبها  من صفحة تجاوزه للقوانين والدستور وامعانه في التفلت من استعمال سلاحه غير الشرعي، إن كان بتهديد اللبنانيين بالداخل والاستمرار  بترهيبهم أو المشاركة في تدمير سوريا  وتهجير السوريين من مدنهم وقراهم، وغيرها  من الحروب في الدول الأخرى، نحو صفحة جديدة أكثر بياضاً واشراقاً ما دام يحتفظ بسلاحه خارج إمرة الدولة اللبنانية.