سار “حزب الله” عكس ما توقعه الجميع، فالحزب الذي صبر بما فيه الكفاية، إقتنص اللحظة وذهب نحو تكليف من لون واحد.
لا شكّ أن الثورة قلبت كل المقاييس والمعايير، فما كان ينطبق قبل 17 تشرين لم يعد يسري مفعوله بعده، ولعلّ “حزب الله” الذي تجنّد منذ اليوم الأول للتصدي للثورة وشيطنتها لم يعد كلام أمينه العام السيد حسن نصرالله مُنزلاً ولم تعد كلمته لا تُكسر.
وخير دليل على ذلك، عندما دعا نصرالله الحريري إلى عدم الإستقالة فاستقال، وطالب بفتح الطرق، فلم تفتح إلا بقرار من الثوّار، لكن الملفت أن “حزب الله” الذي يعيش تخبطاً مثل بقية قوى السلطة قد خرج أمينه العام منذ أسبوع رافضاً خيار حكومة اللون الواحد لأي فئة كانت، لكنه تراجع وذهب إلى هذا الخيار والذي تجلّى بوضوح عبر تسمية كتلة “الوفاء للمقاومة” للوزير السابق حسان دياب لرئاسة الحكومة. أمور كثيرة قد تكون تبدّلت منذ أسبوع، لكن الظاهر أن “حزب الله” أراد أن يستبق زيارة نائب وزير الخارجية الأميركي للشؤون السياسية ديفيد هيل إلى قصر بعبدا ويقول للأميركي أنه لا يزال يملك مفاتيح اللعبة اللبنانية والغالبية البرلمانية والتفاوض يبدأ من هذا المنطلق.
لا شكّ أن هناك من دفع “حزب الله” إلى لعبة تأليف حكومة من لون واحد، مع أن نصرالله تحدّث علناً عن أن مثل هكذا حكومات لن تنجح وستعرّض لبنان للحصار الدولي ولمزيد من العقوبات، لكن البعض الآخر يذهب بعيداً في تحليلاته ويقول إن “حزب الله” يكرّر نفس الخطأ الذي ارتكبه النظام السوري العام 2004.
في تلك الحقبة، يتحدث البعض عن أن هناك من نصب فخاً للنظام السوري ودفعه إلى التمديد للرئيس إميل لحود، فتحرك المجتمع الدولي بعدما أصدر القرار 1559 وتعرّض النظام السوري للعزل، ومن ثمّ وقع إغتيال الرئيس رفيق الحريري الذي قلب المعادلات في لبنان والمنطقة.
اليوم، يتعرّض “حزب الله” لرزمة عقوبات من الولايات المتحدة الأميركية وكان آخرها يوم الجمعة الماضي حيث طاولت 3 شخصيات بينها شخصية مسيحية، والأخطر من ذلك، هو أن لبنان بات في دائرة الإستهداف ولم تعد تقتصر العقوبات على “حزب الله”، وبالتالي فإن المرحلة تشبه خريف 2004 وليس المرحلة التي دفعت “الحزب” إلى الإتيان بحكومة الرئيس نجيب ميقاتي العام 2011.
وبالتوازي مع يوم الإستشارات الطويل الذي انتهى بنيل دياب 69 صوتاً، فإن الأمور تتجه نحو تأليف حكومة من لون واحد بعد إعلان تيار “المستقبل” عدم مشاركته في حكومة دياب، كذلك بالنسبة إلى أحزاب “القوات اللبنانية” و”التقدمي الإشتراكي” و”الكتائب اللبنانية، وبالتالي فإن “حزب الله” والعهد والحلفاء يأخذون البلد إلى مغامرة جديدة قد تدفع بالوضع الإقتصادي والمالي والنقدي إلى مزيد من الإنهيارات. ويؤكد مطّلعون على الموقف الاميركي أن واشنطن ستذهب إلى النهاية في موقفها من “حزب الله”، وهذا الأمر واضح جداً ولا يحتاج إلى تحليل، وبالتالي فإنها مستمرة في تطبيق السياسة التي أطلقها الرئيس دونالد ترامب بـ”قصقصة” أذرع إيران في المنطقة.
من هنا، تأتي زيارة هيل إلى بيروت ولقاءاته مع المسؤولين، والتي حاول استباقها “حزب الله” برمي كرة تكليف دياب أمامه. واللافت في الموضوع أن الأميركي الذي يفرض عقوبات على “حزب الله” والمتعاملين معه يؤكّد أنه يملك “داتا” لكل حركة رساميل حلفاء “الحزب”، سواء كانوا إقتصاديين أو شخصيات سياسية، وبالتالي فإن هذا الأمر سيضع الفريق الموالي لـ “الحزب” تحت طائلة المحاسبة الأميركية.
وفي المعلومات، أن واشنطن لن تخوض معركة أحد، لكنها في الوقت نفسه تضع الجميع أمام مسؤولياتهم، خصوصاً إذا قررت السلطة الحاكمة بقيادة “حزب الله” الذهاب باتجاه خيار إيران، فعليها أن تتحمل تداعيات الازمات الإقتصادية والإنهيارات المالية.
ولا ينحصر الموقف الرافض لحكومة “حزب الله” بواشنطن بل إن الدول الأوروبية تحذو حذوها، فقد صوّت البرلمان الألماني أمس بأغلبية كبيرة على تمرير قانون حظر “حزب الله”، ولفت وزير الخارجية الألماني هايكو ماس أنه في ظل علاقات “حزب الله” بالحكومة اللبنانية فإن “الواقع السياسي في لبنان يبدو معقداً”. كل تلك الأمور تحصل، وسط التأكيد أن دياب لن يستطيع تأليف حكومة اللون الواحد، وحتى لو شكّلها فإنها ستسقط في الشارع وسيتّجه الوضع من سيّئ إلى أسوأ.