لا شك ان باريس تحاول جاهدة إنضاج حل رئاسي يضمن نجاح مبادرتها «فرنجية – سلام»، وقد حاولت عبر تعيين وزير خارجيتها الأسبق جان إيف لودريان كمبعوث شخصي للرئيس ايمانويل ماكرون لحل الأزمة الرئاسية والسياسية في لبنان، الحفاظ على خط بياني واضح يعيد الحياة الى مبادرتها الرئاسية بالتوازي مع إعادة ترتيب علاقتها التاريخية والمتجذرة مع الموارنة، ولهذا قسّمت مهمة مبعوثها الى قسمين: استطلاعية مع الفريق المعارض لرئيس تيار المردة سليمان فرنجية، وتنسيقية مع الفريق الداعم له وتحديدا حزب الله، حيث تحدث مبعوثها بلغة مختلفة مع الحزب وفقا لبرنامج واضح مؤلف من ثلاث نقاط أساسية:
النقطة الاولى: ما هي حظوظ مبادرة «فرنجية – سلام» بعد جلسة ١٤ حزيران؟ وما هي الوسائل والأفكار التي يملكها حزب الله ويستطيع تقديمها في إطار زيادة فرص نجاح هذه المبادرة؟
النقطة الثانية: ما هو استعداد حزب الله للمشاركة بحوار «لبناني – لبناني» بجدول أعمال ببند وحيد متعلق بالملف الرئاسي، وليس حوارا موسّعا على نسق مؤتمر «سان كلو» أو «الدوحة»، سائلا الحزب عن ملاحظاتهم على جدول الأعمال المطروح والنقاط التي يريد أن يتضمنها.
النقطة الثالثة: التأكيد على استمرار تمسّك فرنسا بخيار فرنجية وسعيها بحسب كلام مبعوثها الى إيجاد الفرص المناسبة للدفع بهذا الخيار الى الأمام، رغم إدراكه بصعوبة المهمة وإبلاغه الحزب بذلك، ومن قبيل التشديد على الموقف الفرنسي، لم يطرح لودريان أية خيارات بديلة لفرنجية، كما لم يطرح لا من قريب ولا من بعيد فكرة المرشح الثالث، ولم يأتِ على ذكر قائد الجيش جوزف عون.
وفقا للمعلومات، فقد أكد حزب الله ان الحوار غير المشروط وجها لوجه هو المدخل والعامل الذي يمكن أن يساعد على حل الأزمة الرئاسية «… حينها يطرح كل طرف بصراحة هواجسه وأسباب تخوّفه من فرنجية»، مبديا استعداده واستعداد فرنجية لحوار لتبديد مخاوف الجميع، وقد سمع لودريان من حزب الله كما من رئيس مجلس النواب نبيه بري ان تأييد فرنجية ووصوله الى الرئاسة الأولى ليس لصالح الثنائي الوطني كما يدّعي البعض، فالرجل يشكّل بالمواصفات التي يتمتع بها ضمانة للبلد ولجميع اللبنانيين.
صحيح ان لودريان سمع كلاما غير دقيق وبسقوف عالية ومبالغات من الأفرقاء المعارضين لفرنجية في تقييمهم لوقائع جلسة ١٤ حزيران وتأكيدهم للمبعوث الفرنسي ان جهاد أزعور متقدم على فرنجية وحظوظه أهم وأقوى، إلّا ان الرد على استيضاح لودريان حزب الله عن هذه النقاط جاء كالتالي: «نحن متمسّكون بفرنجية، فالرجل دخل لتوّه الى السباق الرئاسي ويملك حظوظا غير قليلة، والمعطيات التي قدمتها القوى «المتقاطعة» لا تظهره مرشحا ضعيفا، على العكس تماما، هو انطلق من نتيحة تحالف ثابت فيما هناك مرشحا بقي طوال الجلسات الـ١١ دون أن يتخطى عتبة ٤١ صوتا، وأزعور رغم كل التقاطعات لم يستطع تحصيل أكثر من ٥٩ صوتا».
انتهت زيارة لودريان الذي أعلن بوضوح تمسّك باريس بمعادلة «فرنجية – سلام» في موازاة تأكيده بان مهمته ليست سهلة وتحتاج الى وقت، وهنا يطرح السؤال الأساسي: هل استمرار معاندة القوى المسيحية في رفض الحوار غير المشروط ورفض الانفتاح على فرنجية يفيدهم بعد ان وضع الملف الرئاسي على سكة الحل، وفي ظل اطّلاع أطراف عربية ودولية باستحالة ذهاب حزب الله نحو خيار آخر غير فرنجية؟
وثمة سؤال آخر أكثر أهمية: ما هو موقف الترويكا المسيحية (القوات – الكتائب – التيار الحر) مما يهمس به عن محاولة فرنسية جديدة يقودها الرئيس ايمانويل ماكرون شخصيا لإعادة سعد الحريري كرئيس لحكومة عهد سليمان فرنجية؟