تعتبر العلاقات الرسمية بين إيران وإسرائيل لُغْزاً محيّراً…
فمن المعروف -تاريخياً- ان إيران لم تكن راضية عن قيام دولة إسرائيل، إذ كان الموقف الرسمي لإيران معارضاً لإنشاء دولة إسرائيل، إذ صوّتت طهران في عام 1947 ضد قرار الأمم المتحدة تقسيم فلسطين الى دولتين: عربية ويهودية. كذلك أعلنت إيران “الشاه” عن تأييدها للدول العربية في حرب 1948 من دون أن تشارك في الصراع المسلح. كذلك عارضت إيران في عام 1949 انضمام إسرائيل الى الأمم المتحدة.
لكنّ التغيّر الايراني تجاه إسرائيل تزامن مع توجه إيران نحو الغرب، فصارت طهران محطة لنقل عشرات الآلاف من اليهود العراقيين الى “دولة إسرائيل” بعد إنشائها.
وفي عام 1950 اعترفت إيران بإسرائيل لتكون ثاني دولة إسلامية تقوم بهذه الخطوة بعد تركيا.
لكنّ نظام الشاه لم يكن راضياً ضمنياً عن الوجود الاسرائيلي، والدليل ان إيران سمّت الديبلوماسي رضا سافيني “مبعوثاً خاصاً” الى إسرائيل وليس سفيراً.
وجاءت حكومة السياسي المخضرم محمد مصدق عام 1951.. هذه الحكومة التي أمّـمت شركات النفط الغربية في إيران، وأغلقت أيضاً القنصلية الايرانية في إسرائيل.
وعلى ما يبدو، فإنّ قطاعاً ليس بالهيّـن من الايرانيين كان يعارض العلاقات مع إسرائيل.
وبعد الانتصار الاسرائيلي في حرب 1967، ثم وفاة الرئيس جمال عبدالناصر عام 1970. بدأ الشاه يتبنّى خطاباً يدعو للسلام بين إسرائيل والعرب مطالباً إسرائيل بالانسحاب من الأراضي التي احتلتها في الحرب.
وشهدت السبعينات حوادث عكّرت صفو العلاقات بين إيران وإسرائيل، لكن من دون أن يؤثر على التعاون بينهما، والدليل ان إبرام اتفاق إيران مع العراق عام 1975 في الجزائر أثار امتعاضاً إسرائيلياً، كما صوّتت إيران لصالح القرار الصادر عام 1975 من قبل الأمم المتحدة باعتبار الصهيونية سياسة عنصرية.
وبدا ان العلاقات الايرانية – الاسرائيلية كانت مكان رفض -ظاهرياً- عند الخميني بعد الثورة.. وكان الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات أوّل قيادي أجنبي وصل الى إيران بعد الثورة، وهو ما صاحبه إلغاء العلاقات مع إسرائيل وتحويل مقر البعثة الديبلوماسية الاسرائيلية الى مقر للسفارة الفلسطينية. كذلك أعلن الخميني عن ان الجمعة الأخيرة من شهر رمضان ستكون يوماً للقدس.
هذا في الظاهر، أما حقيقة الأمر، فإنه وبعد أشهر فقط من قيام الجمهورية الاسلامية في إيران، بدأت شحنات أسلحة وقطع غيار لمعدّات وطائرات حربية تصل الى إيران من إسرائيل سرّاً وبشكل غير مباشر.
في هذا المجال يقول الديبلوماسي الايراني السابق منصور فارهانج في دراسة بعنوان “العلاقات الاسرائيلية – الايرانية”، نشرت عام 1989: “إنّ حسابات الواقع هي التي فرضت على طهران اللجوء الى إسرائيل، فإيران التي كانت تخوض حرباً ضد العراق بدءاً من عام 1980 كانت بحاجة شديدة الى قطع غيار للطائرات والمعدات العسكرية الأميركية. وحيث ان واشنطن كانت قد قطعت علاقاتها مع إيران على خلفية احتجاز رهائن أميركيين في طهران، فلم يكن أمام النظام الايراني سوى اللجوء الى إسرائيل.
وفي عام 1986 كشفت تقارير عن ان الولايات المتحدة الاميركية باعت أسلحة الى إيران عبر إسرائيل”.
وبعد هذه المقدمة الجامعة للعلاقات الايرانية – الاسرائيلية والأميركية يتساءل المراقبون:
“منذ أربعين عاماً وأكثر، وأميركا وإسرائيل تهددان إيران، لكنها تضرب العرب… فلماذا؟”.
قد نجد تفسيراً لهذا التساؤل في المحطات التالية:
أولاً: ما نشرته صحيفة “يديعوت أحرونوت” الاسرائيلية من أنّ أكثر من 40 مليار دولار هو حجم الاستثمارات الاسرائيلية داخل الاراضي الايرانية رغم الاعلان الرسمي عن عداوات متبادلة.
ثانياً: تصنيف الصحيفة أنّ 200 شركة إسرائيلية على الأقل تقيم علاقات تجارية مع إيران.
ثالثاً: تجاوز عدد يهود إيران في إسرائيل 200.000 يهودي يتلقون تعليماتهم من مرجعهم في إيران الحاخام الأكبر يديديا شوفط المقرّب من مسؤولي النظام الايراني… وهؤلاء لهم نفوذ كبير في جيش العدو.
رابعاً: كنائس اليهود في طهران وحدها تجاوزت 200 معبد يهودي، بينما أهل السنّة وعددهم في طهران 3 مليون لا يُسمح لهم بالصلاة في مساجدهم، وليس لهم مسجد في العاصمة طهران، أو في المدن الكبيرة.
خامساً: من بين يهود كندا وبريطانيا وفرنسا يوجد 17000 يهودي إيراني يملكون شركات نفطية كبرى وشركات الأسهم ومنهم أعضاء في مجلس العموم “اللوردات”.
سادساً: تستفيد إيران من يهودها في أميركا عبر اللوبي اليهودي للضغط على الادارة الأميركية سواء كانت ديموقراطية أو جمهورية لمنع ضرب إيران مقابل تعاون مشترك تقدمه إيران لشركات يهودية.
سابعاً: من اليهود الاميركيين في الولايات المتحدة 15000 يهودي من إيران يشكلون رأس الحربة في اللوبي اليهودي.
ثامناً: توجد ليهود إيران إذاعات تبث من داخل إسرائيل ومنها: إذاعة “راديس” التي تعتبر إذاعة إيرانية متكاملة.
تاسعاً: في داخل إيران ما يقرب من 40000 يهودي، وتعتبر إيران أكبر دولة تضم تجمعات كبيرة لليهود خارج إسرائيل.
عاشراً: كبار حاخامات اليهود في إسرائيل هم إيرانيون من أصفهان، ولهم نفوذ واسع داخل إسرائيل، ويرتبطون مباشرة بإيران عبر حاخام معبد أصفهان.
الحادي عشر: وزير الدفاع الاسرائيلي الأسبق “شاؤول موفاز” إيراني من يهود أصفهان.
الثاني عشر: الرئيس الاسرائيلي السابق “موشي كاتساف” إيراني من يهود أصفهان.
الثالث عشر: يحج يهود العالم الى إيران لأنّ فيها جثمان “بنيامين” شقيق نبي الله يوسف. وقد فاق حب اليهود الاسرائيليين لإيران أكثر من حبهم للقدس.
الرابع عشر: اليهود يقدّسون إيران أكثر من فلسطين لأنها دولة “شوشندخت” الزوجة اليهودية الوفية للملك “يزدجرد” الأول، ولها مقام مقدّس يحج إليه اليهود من كل العالم.
الخامس عشر: إيران بالنسبة لليهود هي أرض كورش الكبير مخلّصهم، وفيها ضريح “استرو مردخاي” المقدّس، وفيها توفي النبي دانيال، وفيها دفن النبي حبقوق، وكلهم أنبياء مقدّسون عند اليهود.
السادس عشر: قضية “إيران كونترا” أو “إيران غيت” حين عمدت حكومة الرئيس الاميركي رونالد ريغن الى تزويد إيران بأسلحة متطوّرة أثناء حربها مع العراق.
لقد خادعت إيران العرب بعداواتها لإسرائيل… علماً بأنّ عدداً كبيراً من عديد الجيش الاسرائيلي هم من يهود إيران، وأنّ أكبر مستوطنات يسكنها يهود إيرانيون.