يمكن القول، ان السنوات الاولى من القرن الواحد والعشرين، لم تشهد مجازر، تصل الى حدّ الابادة، مثل المجازر التي ترتكب بحق الشعب السوري، على مدى خمس سنوات ونصف السنة. وهناك من يتوقع ان يتضاعف حجم الضحايا الذين سقطوا حتى الآن، قبل ان ترسو سوريا على حلّ، ما زال يحضّر في مسالخ الدول الكبرى، وهذا يعني ان ما يقارب من 800 الف سوري ستزهق ارواحهم قبل ان يصمت المدفع، وان ضعفي هذا العدد سيصابون بجروح واعاقات وتشويه، وان 15 مليون سوري، سينزحون من ارضهم وبيوتهم، بعضهم داخل سوريا وبعضهم في الدول القريبة، والثلث الثالث الى الهجـرة والموت في البحر او الطريق.
زعيم الحزب السوري القومي الاجتماعي، انطوان سعاده، سأل مرّة سؤال العارف «من الذي جلب على شعبي كل هذا الويل؟…» والشعب السوري يسأل اليوم السؤال ذاته، «من الذي جلب على سوريا كل هذا الويل؟…» هناك مسؤول، او مسؤولون عن الكارثة التي تعصف بسوريا، واذا كانت هناك مصالح ما في تجهيل المسؤول والفاعل، فان التاريخ لن يساهم في تخريب الذاكرة السورية ولا الذاكرة العربية لأن ما يجري على الارض لا يمكن ان يختبىء وراء الاصبع، فمسؤولية من اطلق الطلقة الاولى، ومسؤولية من ادخل الاصوليين التكفيريين الى سوريا والعراق والمنطقة هم تركيا وحكومة نوري المالكي، والاخوان المسلمون، ومسؤولية من استغلّ الفوضى في سوريا هي دول اوروبا والولايات المتحدة وروسيا وايران، ومن حشد عناصر للقتال تحت يافطة المذهبية، وهكذا تحوّلت تظاهرة سلمية للمطالبة بالحرية والمساواة والديموقراطية، الى حرب ضروس شارك فيها كل العالم، بشكل او بآخر، باستثناء جامعة الدول العربية، او بالاصحّ «الهيكل العظمي العربي»، هذه الجامعة التي لا قيمة لها ولا احترام ولا اعتبار، ومع ذلك ما زالت تموّل فشلها من دماء الشعوب العربية.
******
ماذا يمكن للتاريخ ان يحكي عن اكبر واقوى دول في العالم، عجزت على مدى خمس سنوات ونصف السنة، عن تنفيذ اي شيء، سوى قتل الشعب السوري؟
قصف بالطائرات والبراميل والصواريخ والراجمات، والمدافع، والدبابات، واحياناً بالسلاح الكيماوي لربح شارع من هنا او قرية من هناك، واطباق وليمة الموت، دائماً من دماء الاطفال والنساء والشيوخ والعاجزين عن الهرب، وفي المقابل منظمات ارهابية وتكفيرية، تفجّر وتنسف وتأخذ من المدنيين دروعاً بشرية، مع علمها ان القصف لن يتوقف، ولو بيد الشعب بكامله، ولم تخف الدول الغربية وروسيا ان اسلحة عديدة جديدة تتمّ تجربتها باجساد السوريين ومنازلهم، والهدف، اضافة الى ابادة الشعب السوري تسويق هذه الاسلحة في العالم، وخصوصاً للدول العربية ودول العالم الثالث.
ماذا سيقول التاريخ عن رئيس الاركان الاميركية، الذي اعترف بعد حرب طويلة، انه لا يعرف ماذا سيكون عليه مصير سوريا، هل سينتصر النظام او المعارضة او التنظيمات التكفيرية؟؟ هل ستقسّم سوريا؟؟ ومتى وكيف وبأي ثمن؟؟ هل هو حقاً لا يعرف، ام ان السيناريو لم يكتمل بعد؟؟
كان جيران سائق سيارة رئىس وزراء بريطانيا اثناء الحرب العالمية الثانية وينستون تشرشل، يسألونه يومياً «هل قال لك الرئيس متى تنتهي الحرب يا جورج (وهذا اسم السائق) وكان جورج يردّ بان الرئيس لم يتكلم»، وفي يوم قال جورج لجيرانه «الرئيس تكلّم اليوم وسألني، متى تنتهي الحرب يا جورج؟».
طالما ان ملاك الموت لا يفارق سماء سوريا، فالوضع في لبنان باق على تعاسته وقلقه والخوف على المستقبل، وسؤال اللبنانيين الدائم الذي يطرحونه بين بعضهم بعضاً ومع اي زائر غريب هو، متى تنتهي الحرب في سوريا؟ وهل اذا انتهت يرتاح لبنان؟