انقطعت أخبار مساعد وزير الخارجية الأميركي بالوكالة ديفيد ساترفيلد. قبل حوالى الشهر، ترك الدبلوماسي الأميركي انطباعاً خلفه في بيروت، بأنه يحمل معه إلى واشنطن رزمة اقتراحات لمعالجة الخلاف الحدودي البحري والبري بين لبنان والكيان الإسرائيلي، لكن سرعان ما تبيّن أن الرجل سيترك منصبه ولن يعود إلى بيروت وسيؤول الملف النفطي إلى مسؤول أميركي جديد
حتى الأمس القريب، فضّلت المؤسسة العسكرية عدم الخوض المباشر أو غير المباشر في أي نقاش يتصل بالنزاع الحدودي البحري بين لبنان وكيان العدو الإسرائيلي، برغم أنها تمتلك ملفاً، مكتمل العناصر، حول الحقوق اللبنانية نوقش بكل تفاصيله ووثائقه، ولا سيما في الاجتماعين اللذين عقدهما المجلس الأعلى للدفاع بتاريخ 19 كانون الثاني 2018 و7 شباط 2018.
في عام 2007، وقّع لبنان وقبرص اتفاقية حول تعيين حدود المنطقة الاقتصاديّة الخالصة بينهما. تمّ تحديد تلك الحدود بخط وسط مؤلف من ست نقاط، من النقطة الرقم (1) جنوباً حتى النقطة الرقم (6) شمالاً. (انظر الرسم الرقم واحد)، لم تحسم هذه الاتفاقيّة إحداثيات النقطتين الرقم (1) والرقم (6) أي طرفي خط الحدود البحرية بين لبنان وقبرص، بل ترك الأمر إلى حين استكمال ترسيم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة للدولة اللبنانية من جهة الشمال مع سوريا، ومن جهة الجنوب مع فلسطين المحتلة، والتي تتقاطع في كل جهة مع امتداد خط الوسط الذي تم الاتفاق عليه بين لبنان وقبرص.
في عام 2009، استكملت الدولة اللبنانية ترسيم حدودها الشمالية والجنوبية وأصبحت هذه الحدود مع قبرص تمتد جنوباً الى النقطة (23) بدلاً من النقطة (1)، وشمالاً الى النقطة (7) بدلاً من النقطة (6).
في عام 2010، استغل العدو الإسرائيلي هذه الثغرة في الاتفاقية بين لبنان وقبرص لناحية ترسيم حدودهما انطلاقاً من نقطة مؤقتة يمكن تعديلها لاحقاً وهي النقطة الرقم (1)، وبدلاً من أن يرسّم حدوده مع قبرص اعتباراً من النقطة (23)، بدأ بهذا الترسيم اعتباراً من النقطة (1) حتى النقطة (12).
في تموز 2011، عمد العدو الى ترسيم حدوده البحرية مع لبنان بخط يبدأ من رأس الناقورة حتى النقطة (1) بدلاً من النقطة (23)، وأبلغ الأمم المتحدة بهذا الترسيم، ويكون بذلك قد خلق منطقة بحرية متنازعاً عليها تقدر بحوالى 860 كلم2.
ماذا عن خط الموفد الأميركي فريدريك هوف؟
وفق المقاربة الرسمية اللبنانية، أنه في عام 2012، قدمت الولايات المتحدة الأميركية عبر موفدها فريدريك هوف اقتراحاً لحل النزاع البحري مع العدو الإسرائيلي، وذلك بتقاسم المنطقة التي يدّعي هذا العدو أنه متنازع عليها، برسم خط، عرف في حينه بخط هوف، يعطي لبنان حوالى 500 كلم مربع، والعدو الإسرائيلي حوالى 360 كلم مربعاً من أصل كامل مساحة الـ 860 كلم مربعاً «المتنازع» عليها. وكان هذا الخط يمتد من ثلاثة أميال من الشاطئ الى النقطة (H) تقع بين النقطة (1) والنقطة (23).
تضيف المقاربة، إلا أنه تبين وجود دراسات يمكن أن تعطي لبنان مساحات إضافية جنوب النقطة 23 تصل الى حد 1350 كلم مربعاً بدلاً من خسارة 360 كلم مربعاً المقترحة من قبل الجانب الأميركي. إلا أن الجانب الأميركي اقترح في حينه أن يكون خط هوف خطاً مؤقتاً وليس حدوداً نهائية (خط أزرق بحري) سمّي الخط الأبيض، لكن الجانب اللبناني رفض ذلك خشية تحول المؤقت إلى دائم عند الإسرائيلي، وخير دليل مشكلة الحدود البرية.
وتوضح المقاربة أن الجانب الأميركي يكرر عبر ساترفيلد المبادرة ذاتها التي عرضها هوف في عام 2012 بتقاسم تلك المنطقة البالغة 860 كلم مربعاً بين لبنان والعدو الإسرائيلي. وتأتي هذه المبادرة مباشرة بعد التهديد الإسرائيلي للبنان، ظناً منه أن جزءاً من البلوك 9 يعود ملكيته له، وكذلك عشية إعلان توقيع عقود الاستكشاف والإنتاج بين الدولة اللبنانية وأكبر شركات النفط العالمية: توتال الفرنسية، آني الإيطالية ونوفاتيك الروسية. وتهدف هذه المبادرة، وفق الأميركيين، الى حل هذا النزاع الحدودي البحري والبدء بعملية استخراج الثروة النفطية من دون عوائق تذكر من الجانبين اللبناني والإسرائيلي.
هل يمكن القبول لبنانياً بـ»خط هوف» لتفادي أي تأخير بالبدء باستخراج الثروة النفطية، ولو على حساب خسارة بعض الكيلومترات البحرية من المنطقة الاقتصادية الخالصة؟
بالطبع لا، تؤكد المقاربة الرسمية «والدليل أن شركات النفط، برغم علمها المسبق بالنزاع الحدودي البحري، اختارت البلوك الرقم 9 الحدودي لعلمها بأن هذا النزاع لن يؤثر أبداً على البدء بالأنشطة البترولية في هذا البلوك، وهي بالطبع تكون قد درست هذا الموضوع من قبل الحقوقيين لديها وقررت المضي قدماً بالتوقيع على الاتفاقية والبدء بالأنشطة البترولية لأنها تعلم أنها محمية بموجب القانون اللبناني والقانون الدولي، ولا يستطيع أحد أن يقاضيها بالموضوع».
وفي المعلومات، ثمة دراسات قانونية تعطي لبنان مساحات إضافية جنوب خط الناقورة – النقطة 23. ما هي هذه الدراسات وما هي الخيارات التي يمكن للدولة اللبنانية أن تعتمدها في إعادة ترسيم حدودها البحرية وفقاً للقوانين والأعراف الدولية البحرية؟
تؤكد المعلومات الرسمية أن هذه الدراسات تعتمد على ترسيم الحدود البحرية بطريقة خط الوسط من دون إعطاء تأثير لجزيرة (أو بالأحرى صخرة) «تخيلت»( Tekhelet) كما هي الحال في نزاعات مشابهة للوضع اللبناني وتم بتّها أمام محكمة العدل الدولية والمحكمة الدولية لقانون البحار ومحاكم تحكيم خاصة، وكانت الخيارات ما بين عدم إعطاء تأثير للجزر أو إعطائها نصف تأثير عند رسم خط الوسط، أو اعتماد طريقة الخط العمودي على الاتجاه العام للشاطئ. وتكون هذه الخيارات بالنسبة إلى ترسيم الحدود البحرية الجنوبية مع العدو الإسرائيلي على الشكل الآتي:
- خط الوسط من دون احتساب أي تأثير لجزيرة تخيلت (خط: الناقورة – النقطة A) يعطي لبنان مساحة إضافية جنوب الخط المعلن تقدر بحوالى 1350 كلم2.
- خط الوسط مع إعطاء نصف تأثير لجزيرة تخيلت (خط: الناقورة – النقطة C) يعطي لبنان مساحة إضافية تقدر بحوالى 500 كلم2.
- خط عمودي على الاتجاه العام للشاطئ ( خط: الناقورة – النقطة B) يعطي لبنان مساحة إضافية تقدر بحوالى 200 كلم2.
أما عن خيارات الدولة اللبنانية، فتوردها الجهات الرسمية بالآتي:
أولاً، الذهاب الى التحكيم، إلا أن هذا الخيار يتطلب موافقة العدو وانضمامه إلى اتفاقية قانون البحار، لكي تقبل المحاكم الدولية البتّ وإصدار حكم ملزم بالموضوع.
ثانياً، القبول بوساطة دولة أو منظمة محايدة، أو برعاية الأمم المتحدة، إلا أن هذا الأمر يتطلب قراراً من مجلس الأمن الدولي.
ثالثاً، استشارة المحكمة الدولية لقانون البحار لكي تبني الدولة اللبنانية على الشيء مقتضاه.
الأهم من ذلك كله، وفق المقاربة الرسمية ذاتها «هو تحضير الملف بشكل جيد من قبل الدولة اللبنانية والذهاب الى المحافل الدولية بقرار سياسي قوي موحد».
أين تكمن قوة موقف الدولة اللبنانية في هذا الملف الحدودي البحري، والسيادي بامتياز؟
تكمن، وفق الجهات الرسمية، بالآتي:
1- إن القانون الدولي بجانب لبنان، وإن العدو الإسرائيلي رسم حدوده البحرية مع لبنان بخط غير معتمد عالمياً وغير مستند الى القوانين والأعراف الدولية البحرية.
2- إن العدو وقّع عقوداً بمليارات الدولارات مع الأردن ومصر وشركات دولية، وهو بحاجة الى حل النزاع الحدودي البحري لكي تعمل الشركات المتعاقدة معه والتي تخاف على استثماراتها في بيئة آمنة مستقرة بعيدة عن المخاطر والأخطار، وإن كل يوم تأخير يسبب خسارة لهذا العدو بملايين الدولارات.
3- إن معظم الدول الأوروبية تدعم موضوع البدء باستخراج الثروة النفطية من شرق البحر المتوسط دون تأخير، وذلك بهدف تلبية حاجاتها من الطاقة وخاصة من الغاز الطبيعي، الذي هو حاجة ملحة للسوق الأوروبية والذي يتزايد الطلب عليه يوماً بعد يوم.