ــــ ١ ــــ
يدفع المنتصر ثمن انتصاره.
هل تطبّق القاعدة على انتصار الجناح السديري في آل سعود، أم ستنتقل المملكة إلى «كبسولة المحافظين» حتى تمرّ توابع «الربيع» في العالم العربي؟
الإجابات الجاهزة مريحة، خصوصاً عندما تتعقّد شبكات التمدّد السعودي في المنطقة، إلى درجة أربكت الإيقاع السياسي في دولتين، على وجه الخصوص، تعيشان الانتظار، مثل مصر ولبنان.
مصر تعيش انتظار نجاح «مشروع المارشال» ولبنان ينتظر إعادة تشغيل نظامه بعد شهور طويلة في غياب الرئاسة والحكومات المتخيّلة.
السعودية فاعلة في عملية الانتظار المعقدة، برغم البون الشاسع بين «الدولة المركزية» التي تخوض حرب استعادة هياكلها، و «اللادولة» التي تعيش على توازن الطوائف.
المملكة، بعد معاناة في سوريا وقبلها العراق، تحاول بتركيز النفوذ في دول الانتظار، وعبر تسخين العصاب العشائري بحسم السديريين لمعركة الجيل الثالث من الملوك، أن تخلق فضاء لدورها كلاعب إقليمي… لا بد من الحفاظ على تماسكه.
الملك المنتصر ليس أمامه إلا لعبة خطرة، هي مزيد من الاستقطاب على مستوى مذهبي ليكون خلفية الصراع الإقليمي، وهو الصراع الذي يمكن أن يدفع فيه المنتصر ثمن انتظاره.
ــــ 2 ــــ
وإذا سألت إلى أين؟
ستكتشف في أي حوار مع مجموعات من باحثين يفكّرون خارج الصندوق، أن هناك نوعاً غامضاً من «اقتسام» السلطة في العالم العربي، وبالتحديد في مناطق «جمهوريات التحرر». الاقتسام بين «الدولة» و «الجماعات الآكلة للدولة». مصر كانت الأصعب في هذا الاقتسام، أو البعيدة عن تكرار الموديل السوري، إلا أن العمليات الأخيرة تشير إلى «تمصير» ما لهذا الاقتسام والموديل الذي تتجه فيه الدولة إلى «الاستمرار مع الشلل» و«الجماعات» إلى اقتطاع «بقع» ما بعيدة عن المراكز. هذه البقع النشطة ترسل إلى العالم برسائل عبر استعراض السكاكين وخطاب ميديا «الغزوات» وعالم افتراضي بالكامل على أرض واقعية، يحتاج تعميم الموديل إلى خلفيات من صراع إقليمي ذي طابع مذهبي، وشبكات غامضة تموّلها فوائض البترول في دولة مثل قطر اعتمدت في وجودها على مدّ خطوط مع كتل متضادة، ليكون لحضورها ضرورة، عبر هذه العلاقات غير الفاعلة والمعطلة لطرفي النزاع… أي نزاع.
الوجود القطري في ظل تعميم «الموديل السوري»، بطبعاته التي تحدّد شكل المنطقة حيث الدولة موجودة، رهينة رأسها القديم، وترهن المجتمع بما اقتطع من ذيلها، الذي تمثل حركاته الهستيرية خلفية لهندسة «خراب» لا تراه ولكن تشعر به.
ــــ 3 ــــ
هكذا في بلد مثل مصر يصبح السؤال: هل يمكن انتظار حرب أهلية؟
برغم أنها هاجس أكثر منها واقع. وبرغم أن الدولة دعت إلى الثأر من جماعة «الإخوان المسلمين»، في تعبيرات دفعت بعض الأهالي إلى إحراق بيوت أعضاء الجماعة وملاحقتهم شخصياً.
.. فقد اعتبرت هذه السلوكيات «بروفة» مخيفة، تتجاوز العقاب الجماعي، إلى تكوين حزازات أهلية، خاصة في مناطق حضرية مغلقة، لها بُعد عائلي أو قبلي. لكنها «ليست حرباً أهلية» كما أن «خريطة الطريق» التي تمنح شرعية سياسية أو ديموقراطية للفريق الرئيس في القاهرة لم تعد كذلك بعد تفريغها من مضمونها لتصبح تعبيداً لطرق تركيب رأس جديد للنظام القديم، والرأس ليس فرداً كما كان مبارك، ولكنها «مجموعة» أو «كتلة صلبة» تدير البلاد من دون سياسة تقريباً.
والمرعب أنها ليست فرصة أخيرة لهذه المجموعات التي انتصرت في 30 حزيران (يونيو) على حكم جماعة الإخوان المسلمين، ولكنها فرصة لا علامات لبديلها بالنسبة لقطاعات متعددة.
احترقت أوراق كثيرة: من القوة المدنية التي استهلكتها المجالس العسكرية كواجهات في حكومات ما بعد 25 كانون الثاني (يناير) 2011، إلى التيار الإسلامي الأكثر اندماجاً مثل «الإخوان المسلمين» وقد عاد إلى قواعده المعادية للديموقراطية بعد فقدانه الحكم، وضاقت المسافة بين المهاويس الحالمين بالسلاح والمصابين بهستيريا عودة مرسي.
وهكذا فإن المنتصر كما المهزوم يشتركان في الرعب من المستقبل.