أحياناً يكون الشكل بأهمية المضمون، فكيف إذا كانا على درجة كبيرة من الأهمية؟
هذا الإنطباع هو الذي يخرج به أيُّ مراقب تابع الحفاوة التي استُقبِل بها رئيس الحكومة سعد الحريري من قِبَل الرئيس الأميركي دونالد ترامب في البيت الأبيض.
ففي لقاءات مشابهة، بين رئيس أميركي ورئيس حكومة، كان اللقاء يتمُّ عادة في مكتب جانبي، وكانت الصور التي تُتَّخذ هي صور فوتوغرافية وليس صور فيديو.
لقاء ترامب – الحريري كان مغايراً كلياً:
اللقاء في المكتب الرئيسي لترامب، ومصافحة وترحيب أمام كاميرا الفيديو، وهذا الإهتمام هو أول المؤشرات الأميركية إلى نظرة الإدارة للدور الذي يضطلع به لبنان، سواء على مستوى محاربة الإرهاب أو على مستوى إيواء النازحين السوريين أو على مستوى الإستمرار في حماية الإستقرار اللبناني في ظل العواصف العاتية.
ومن المؤشرات الأساسية أيضاً أنَّ اللقاء بين ترامب والحريري دام ساعة ونيِّف، وهذا يعكس تعدد الملفات التي جرى بحثها ومن أبرزها:
مواصلة الدعم للبنان ليستطيع القيام بأعباء مساعدة النازحين السوريين، إلى حين عودتهم إلى بلادهم، ومواصلة مساعدة الجيش اللبناني بالعتاد والذخيرة، ليستطيع الإستمرار في تحديات مواجهة الإرهاب المتنقل.
ملفان على جانب كبير من الأهمية جرى بحثهما:
الأول ملفُّ الغاز والنفط في لبنان، وملفُّ بدء التحضير لإعادة الإعمار في سوريا، والدور الذي يمكن أن يلعبه لبنان في هذا الإطار، باعتبار أنه المحطة الأساسية للإنطلاق منها لإعادة الإعمار. وهذه الخطوة الكبيرة لا يمكن أن تحصل من دون ضوء أخضر أميركي، وفي حال حصلت يكون لبنان قد دخل في دورة انتعاش إقتصادية تعوِّض له السنوات العجاف والمصاعب المتأتية من أثقال مليوني نازح متواجدين على أرضه.
وملفُّ النازحين هذا استحوذ بدوره على اهتمام الرئيس ترامب، الذي طالب بتعميم عبء النازحين على دول المنطقة وليس على لبنان فحسب، فأكد أنه على الشرق الأوسط أن يتحمَّل مسؤوليته في مساعدة النازحين السوريين، حتى عودتهم إلى ديارهم، وإعادة بناء بلدهم، وأنَّ الشعب اللبناني قد قاد هذه الحملة، من خلال استضافته أكبر عدد من النازحين من أقرب دولة في المنطقة.
تبقى مسألة العقوبات التي تقض مضاجع الحكومة اللبنانية، لكن الرئيس الحريري واصل متابعته هذا الملف من خلال مروحة اتصالات مع الجانب الأميركي شملت أكثر من جهة وقسم، إنطلاقاً من واقع أنَّ أية عقوبة يمكن أن تتعدى حزب الله لتصل إلى بيئات أخرى، خصوصاً أنَّ المجتمع اللبناني والإقتصاد اللبناني متداخلان، فما يصيب فئة يصيب أخرى.
في المحصلة، يمكن اعتبار أنَّ زيارة الرئيس الحريري لواشنطن كانت ناجحة بكل المقاييس، وأنَّ ترجمتها ستبدأ بالظهور تباعاً.